تقع بين الفينة والأخرى أحداث ووقائع يمكن أن تعتبر ميزانا نستشف من خلاله درجة تغلغل المد العلماني في المغرب، ولعل أبرز هذه الأحداث والوقائع ما تعلق منها بقضايا المرأة وحقوقها، وذلك لمراهنة العلمانيين على المرأة جسدا وحقوقا في تبيئة المجتمع المغربي وتغيير قناعات المغاربة حتى تتماشى مع المفاهيم العلمانية خصوصا تلك التي تتصادم لدرجة التناقض مع منظومة الأخلاق الإسلامية.
ومن أمثلة الأحداث والوقائع التي تستفز العلمانيين لشنّ حرب شرسة على المفاهيم الإسلامية المتعلقة بالحجاب والعفة والحياء والعري والاختلاط.. خطبة رئيس المجلس العلمي للدار البيضاء وما صاحبها من حمى تورمت منها أدمغة وحناجر مُشعِليها، مستغلين لسلطتهم وإعلامهم حتى لا تصبح الخطبة منهاجا لباقي المجالس العلمية في البلاد، فيستعيد المسجد دوره في تأطير السلوك وترسيخ القناعات الدينية.
العري ورسالة المسجد
نتساءل: ماذا أفزع اللادينيين في كلام خطيب الجمعة؟
أليس من واجبه نصح المؤمنين وتحذيرهم من العري والتهتك على الشواطئ؟
إنما أفزع العلمانيين في خطبة رئيس المجلس العلمي هو كونها تضمنت أوامر إلهية تعارض أسس العلمانية، نقلت مباشرة عبر التلفزة المغربية، هذه المؤسسة التي عملوا منذ سنين على جعلها أداة لترسيخ العلمانية بدل الأحكام الإسلامية، وهذا صريح كلام أحد العلمانيين في مقال نشرته في وقته جريدة الشرق الأوسط تحت عنوان: “الغلطة الكاشفة في خطبة الدار البيضاء” حيث قال: (تقرأ الخطبة باعتبارها فلتة كاشفة عن التلاعبات التي يمكن أن تحصل في المجال السياسي، فعندما لا تكون قواعد اللعبة مرسومة بعناية نصبح أمام “رئاسات سرية وأخرى علنية” بلغة “أردشير”، أي أننا نصبح أمام فعل سياسي معاد لاختيارات سياسية حاصلة، لكنه فعل سياسي لا يتحدث لغة تاريخية ووضعية، حيث يمكن منازلته باللغة نفسها، بل إنه يستدعي سجلاً لغوياً ومرجعياً تختلط فيه جملة من الأحكام الأخلاقية اللاتاريخية، بجملة من الأحكام الدينية المفصولة عن سياقاتها والمؤولة بطريقة خاصة، فنصبح أمام صراع غير متكافئ، هذا دون أن ننسى أن الخطيب يوظف المسجد وهو مؤسسة روحية عمومية والتلفزة هي ملكية جماعية لأغراض معادية لاختيارات الدولة السائدة).
إذن ما أفزع العلمانيين هو كون الإسلام استغل مؤسسة في ملكية جماعية من أجل بث أحكامه لمواطنين مسلمين يفترض أنهم نسوا مثل هذه الخطابات وألفوا المخالفات الشرعية.
ولقد وصل صدى الخطبة إلى قبة البرلمان حينما تقدم فريق الاتحاد الاشتراكي إلى مجلس المستشارين بطلب لفتح تحقيق حول مضامين الخطبة باعتبارها ظلامية وشاذة ولا تنسجم مع المشروع الديمقراطي الحداثي، وتولى بعد ذلك إتمام باقي فصول المعركة والحملة القنوات الإعلامية العلمانية، حيث قامت بتقديم الخطبة على الشكل الذي يخدم أهداف مموليها.
كل هذه الضجة وكأن الخطيب تكلم في موضوع من عَويص العلم، الذي يخفى على الدرس له، وهو إنما تكلم في أمر كشف العورات في الشواطئ والمسابح وغيرها وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة.
هذا كله يدلنا على أن العلمانيين مصرُّون عل سلخ المغاربة عن دينهم وفصل حياتهم تماما عن تأطير الشريعة، وأن ما يدعونه من كون العلمانية لا تخالف الدين هو من باب التدجيل والتغرير بالمسلمين، فحقيقة العلمانية هي فصل للدين عن الحياة لا فصل الدين عن السياسة.
الإعـلام والعـري
أيقن دعاة العلمانية أن التزام المرأة بحجابها مانع من موانع هيمنة النظام العلماني، لكون الحجاب ليس قطعة ثوب توضع فوق الرأس وإنما هو امتثال لأمر رباني تعبر من خلاله عن قناعتها بمفهوم العفة والحياء الذي يشكل عائقا كبيرا أمام الغزو الغربي لثقافة اللباس لدى المرأة المسلمة، مما يفوت على أصحاب الشهوات ومروجي الألبسة أرباحا طائلة.
لهذا كله عملوا على تزيين العري عبر وسائل الإعلام، نظرا لخطورتها ونجاعتها في إفساد الأسرة والمجتمع، فعمدوا إلى تطبيع ثقافة العري والتفسخ من خلالها.
فبإلقاء نظرة خاطفة إلى ما تبثه مثلا القناة الثانية (2M) من وصلات إشهارية، وأفلام مكسيكية وكليبات فاجرة، واحتضان لمسابقات التهتك والفجور (كاستوديو 2M)، وهي مسابقات ليس الغرض منها إلا ضرب القيم الدينية والتعاليم الإسلامية والأعراف الاجتماعية، مسابقات يتم من خلالها عرض لحوم الشباب والشابات في عري شبه تام، مع تحريك الأجساد بالرقص الهابط والغناء الساقط والموسيقى الصاخبة، وتبادل القبلات والعناقات، في أجواء من الانحلال والتفسخ والاختلاط.
أما ما تنشره المجلات المغربية مثل “Parade” و”VH” و”Femme du maroc” و”نيشان” وغيرها، فضلا عن المجلات المستوردة والتي لا تخضع لأية رقابة دينية أو أخلاقية من إشهار لملابس داخلية و”مايوهات” للسباحة، وتشجيع للشذوذ حيث خصصت مجلة “VH”عددها لشهر ماي المنصرم للمتحول جنسيا “نور” يتضمن عرضه لأزياء نسائية في أوضاع جد مخلة بالحياء كلها تهتك وخنوع، فهو أسلوب واضح مكشوف من أساليب تطبيع الفاحشة في المجتمع ونشر الفتنة بين الناس.
إن المرأة في يد الإعلام معول هدم لا بناء، زينوا لها كل رذيلة، وأباحوا لها أن تفعل ما تشاء باسم الحرية الشخصية حتى أصبحنا نسمع من الرجال من يشتكي من عنف عري النساء، وهو أشد أنواع العنف ضد الرجال، فهذا العنف أصبح يلاحقهم في الشارع وفي الأسواق وفي المؤسسات، وفي حافلات النقل العمومي المختلطة خصوصاً أثناء الازدحام حيث تتلاصق الأجساد العارية، وفي المؤسسات التعليمية حيث تتفنن المراهقة في اختيار اللباس القصير، الضيق الواصف والكاشف لمفاتنهن، وللمناطق المثيرة للغرائز الشهوانية عند الرجال، دون أن تستحيي لا من أستاذها، ولا من زميلها الجالس بجانبها على مقعد متلاصق مع مقعدها.
اليوم تفعل ما تشاء وتشتهي *** وغدا تموت وترفع الأقلام
كان من نتائج هذا الانحراف والعري الفاضح أن كثر الفسق داخل مجتمعنا، وانتشر الزنا وكثر الاغتصاب، وانشق صرح كيان الأسرة، وأهملت الواجبات الدينية، واشتدت أزمة الزواج وأصبح الحرام أيسر حصولا من الحلال..
ولا ننسى ما ينتج عن ذلك من إثارة للشهوة في النفوس، وتحريك للعواطف وتهييج للغريزة، فيسقط الناس في وحل الفاحشة، ويقع في قبضة المجاهرة بها، ويصبح الوقوع في مستنقع الرذيلة افتخاراً واعتزازاً.
وبالجملة فقد أدى هذا التهتك إلى انحلال الأخلاق وتدمير الآداب التي اصطلح الناس عليها في جميع المذاهب والنحل.