قامت بالغرب الإسلامي دولة إسماعيلية عبيدية وإمارة اثني عشرية بجلية في تارودانت على قول بعض المؤرخين والباحثين، وقد روجت هاتان الفرقتان لمذهبهما وأشاعته، وتصدى بعض منظريها للتصنيف في عقائدها، وليست هذه الفرق إلا امتدادات للفرق الأم في المشرق العربي، ولم يكن لها أي تميز أصولي ظاهر عنها لأنه الخط الجامع والضامن للاستمرارية الجغرافية والتاريخية والفكرية.
ومن أشهر المنظرين الإسماعيليين في الغرب الإسلامي القاضي النعمان صاحب التصانيف، ومن المعروف أن مصادر هذه الطائفة تصنف عند الباحثين إلى نوعين، ظاهرة وسرية، أما الظاهرة فيظهرون فيها الموافقة، وأما السرية فهي مظنة العقائد الأصلية، ولم تخرج مصنفات إسماعيلية الغرب الإسلامي عن ذلك.
وفي خصوص مسمى الإيمان عندهم يعرض القاضي النعمان لما ينبغي أن يخاطب به غير الإسماعيلي في تعريف الإيمان بما ينقل على حد زعمه عن جعفر الصادق من أن “الإيمان عمل كله”، وهذا تعريف قريب من عقيدة المسلمين، لكنه في كتابه عرض الإيمان بطريقة باطنية غريبة فقال: “ومن ذلك أيضا قول الأئمة عليهم السلام إن الإيمان قول وعمل ونية، فمثل القول مثل الظاهر، ومثل العمل مثل الباطن، لأن القول بالشهادتين هو الذي يوجب الدخول في الملة…والعمل المفترض في حكم الشريعة الذي مثله مثل الباطن مستور عن الناس، إنما هو فيما بين العبد وبين ربه…ومن قال إن الإيمان قول بلا عمل كما قالت المرجئة فهو بمنزلة قولهم إن الدين ظاهر لا باطن له” فالعمل عندهم باطن غير ظاهر، ولذلك فسر قول جعفر الصادق السالف الذكر بأن المقصود منه أن “الباطن باطن كله، لا ينبغي إظهار شيء منه، فإنه متى ظهر صار ظاهرا”..
ثم شرع في تأويل الفرائض والعبادات وفق الفكر الباطني الإسماعيلي، وخلاصة هذا كما عند المفضل الجعفي في “الهفت” الشريف “من عرف الباطن، فقد سقط عنه عمل الظاهر”!
لم يكن الشيعة الإثنا عشرية مثلَهم في ذلك، فقد صرحوا بالإرجاء ولم يجمجموا، فقد روى الكليني في الكافي من طريقين عن جعفر الصادق قال: “لا يضر مع الإيمان عمل، ولا ينفع مع الكفر عمل” . ولم أر المازندراني الشارح علق بشيء هنا لأنه مشكل عليه أو لا يحتاج إلى تعليق لوضوحه.
ويستعمل الشيعة روايات لتأسيس هذه الفكرة فيروجون أحاديث نبوية مثل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظه “حب علي بن أبي طاب عليه السلام يحرق الذنوب كما يحرق النار الحطب”، فيكفي الشيعي حب علي كي يمحى ذنبه وإن علا، ويتمم هذه العقيدة أن يكتفي الشيعي بالموالاة عن العمل، بل يصل بهم الأمر إلى أن يثبت الكليني في روضة الكافي رواية عن جعفر الصادق لفظها: “إن الرجل منكم لتملأ صحيفته من غير عمل”، وأما يوم القيامة، فيدخلون الجنة بغير حساب، كما ذكر علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن جعفر أيضا فتنغلق دائرة الإرجاء وتكتمل، فأي داع للعمل بعد كل هذا.
قال ابن تيمية: “أكثر الشيعة يعتقدون أن حب علي حسنة ليس يضر معها سيئة” ، وأنكر عليه مهدي الكاظمي الشيعي في منهاج الشريعة في الرد على ابن تيمية قائلا: “ما نسبه إلى كثير من الشيعة من القول بأن حب علي حسنة ليس يضر معها سيئة، فإنه بهتان منه، فإنهم جميعا متفقون على ذلك، فتخصيصه الكثير منهم بهذه العقيدة ليس له وجه سوى الكذب” .
وقولهم هذا أحد معالم الإرجاء، فمن الإرجاء الاعتقاد بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب، قال الأحسائي الشيعي في الكشكول وهو يعرف “المرجئة”: “أو لأنهم يقولون لا يضر مع الإيمان معصية، ولا ينفع مع الكفر طاعة فهم يعطلون” ، فشهد شاهد من أهلها.
وقد استمرت هذه العقيدة في منظومة الفكر الجماعي الشيعي إلى الآن، وكان لها من الآثار السيئة على أخلاقيات المجتمعات الشيعية أشياء ظاهرة، وهو ما قد يفسر انتشار الرذائل والمنكرات بغطاء ديني شرعي في مجتمعاتهم، بسبب الاتكال على معرفة الأئمة أو حبهم.
وفي ذلك يقول القفاري في أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية: “أصبح معرفة الأئمة عندهم كافية في الإيمان ودخول الجنان، فأخذوا بمذهب المرجئة رأسا… والإيمان حسب مصطلحهم هو حب الأئمة أو معرفتهم… ولعلهم يفارقون المرجئة من حيث أن المرجئة تقول الإيمان هو المعرفة بالله، وهم يقولون: الإيمان معرفة الإمام أو حبه” ثم يقول: “هذه العقيدة بقيت آثارها في المجتمعات الشيعية من الاستهانة بشرائع الله والجرأة على حدود الله” .
ومن الطريف العلمي أن ينتبه الدكتور طه حامد الدليمي إلى الباعث النفسي في هذا في كتابه “التشيع عقيدة دينية أم عقدة نفسية” وهي دراسة نفسية قيمة يستحسن مراجعتها.