قلـم متناقض إبراهيم بيدون

من المضحكات أن تجد قلما علمانيا يجمع في طرحه وكتاباته كل المتناقضات: من عداء للدين والمتدينين، وكره لما يسميه الإسلام السياسي، ورفض لأطروحة الفن النظيف من الفحش والرذيلة، وامتعاض من انتشار التدين بين صفوف الشباب، وازدياد مظاهر الحجاب والستر والعفاف..
وفي المقابل يدافع عن الغرب المادي المعادي لدين وتاريخ بلد ينحدر منه وينتمي إليه؛ وينتصر لأطروحاته ويبرر قوانينه التي تضيق على المسلمين في الغرب كمنع الحجاب والنقاب والمآذن؛ وكذا حروبه التي يشنها على العالم الإسلامي باسم مكافحة الإرهاب، ويصفق لكل إنجازاته الحضارية ولو تعلق الأمر بقانون يسمح بزواج الشواذ، أو احتجاج نساء بالتجرد تماما من ثيابهن لأنه؛ (شكل جديد من أشكال الاحتجاج الحضاري)!..
وسمت هذا القلم وهديه وأسلوبه الدائم أنه:
يصفق للديمقراطية حينما ينجح بها حزب علماني لا ديني، ويرفض الديمقراطية العددية -في حد زعمه- حينما ينجح حزب ذا مرجعية إسلامية..
يعتبر الحجاب والنقاب تخلفا ورجعية، ويفخر بحجاب نساء الكنائس لأنه لباس ذا مرجعية غير إسلامية..
يتندر ويستهزئ بلحا المشايخ والدعاة وعموم المسلمين، ويفتخر بلحية ماركس وتشي غيفارا، ومن قبلهم لحية “داروين”..
يجفف منابع مداده وهو يكتب ويستنكر التطرف والإرهاب باسم الإسلام، فلا يخلوا له مقال من نكير أو إشارة، ويصفق للجيوش الأمريكية، وجيوش الناتو وهي تدك معاقل الإسلام الأفغاني، والإسلام السني في العراق، والإسلام السياسي في الصومال وغزة..
يستنكر شظف عيش المقهورين من بني شعبه، وهو يعيش في بحبوحة من الدنيا؛ ويدافع على الطبقة المفسدة المغتنية على حساب مأكل ومشرب أولئك المقهورين..
يجرم استغلال الدين في السياسة، وهو يستعمل الدين والسياسة والخداع وكل ما يتاح له لتقلد منصب أو للجلوس على كرسي..
يدافع عن حق الحياة لإبطال حكم الإعدام في حق القاتل والمجرم، ويدافع عن إباحة الإجهاض، وقتل جنين بريء لمجرد اعتبارات اجتماعية أو اقتصادية..
يصرخ مستنكرا استهداف الآمنين في مدريد ونيويورك.. ويصفق ويضحك ملء فاه للأسطول الغربي وهو يدك القرى والبلدات والأحياء بما فيها آلاف الآمنين..
يشيد ببعض العلماء الرسميين في اختياراتهم التي توافق هواه وقناعاته العلمانية، ويعيب على الآخرين الذين يخالفونه؛ ويحشرهم جميعا في صفوف المتطرفين الحرفيين الجامدين..
يكتب في معرض حديثه عن حق اللباس وهو ينتصر للباس “الديباردور”: أن للمرأة أن تختار ما تشاء ولو لبست التشادور، وعندما يُذكر أن هناك لباسا شرعيا فإنه يصف النقاب بأقبح النعوت والأوصاف، وبأن لابسته مهدورة الكرامة وخيمة متنقلة..
وأمور أخرى متناقضة؛ فما أقبح قلما جمع هذه الأوصاف:
– علماني..
– خبزاوي مسترزق..
– مستلب يكتب بلسان أعدائه..
– يغتني على حساب هويته ودينه ووطنه..
– يعرقل مسيرة الإصلاح..
– ولا يستحي أن يجاهر بمحاربة التيار المحافظ..
فما أكثر الأقلام وما أكثر تنوعها وتلونها؛ وفي تعددها يقول ابن القيم رحمه الله:
“الأقلام متفاوتة في الرتب؛ فأعلاها وأجلها قدراً: قلم القدر.. (ثم) قلم الوحي.. قلم التوقيع عن الله ورسوله.. قلم طب الأبدان.. قلم التوقيع عن الملوك ونوابهم.. قلم الحساب.. قلم الحكم الذي تثبت به الحقوق.. قلم الشهادة.. قلم التعبير.. قلم تواريخ العالم ووقائعه.. قلم اللغة.. (و) القلم الثاني عشر: القلم الجامع؛ وهو قلم الرد على المبطلين، ورفع سنة المحقين، وكشف أباطيل المبطلين، على اختلاف أنواعها وأجناسها، وبيان تناقضهم وتهافتهم، وخروجهم عن الحق، ودخولهم في الباطل، وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام، وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل، المحاربون لأعدائهم، وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال، وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل، وعدو لكل مخالف للرسل، فهم في شأن وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن” (التبيان في أقسام القرآن، ص:132، بتصرف).
فالكل اليوم يكتب ما يشاء؛ ويدافع عمن يشاء..
لكن شتان شتان بين قلم (المبطلين) المعادين للدين.. وقلم (المحافظين) المدافعين عن شرع رب العالمين وسنة سيد المرسلين عليه أفضل وأزكى الصلوات والتسليم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *