الحمد لله حمدا يليق بجلاله، خلق خلقه وهداه لقراءة كلمات كتابه، وإلى هداية عقيدة التوحيد لدخول جناته ورضوانه، والصلاة والسلام على نبي الرحمة وآله، بعثه الله معلما وهاديا إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، ميسرا غير معسرا، وربى على يده أحسن جيلا، فرضي الله عنهم أجمعين.
لا شك أن عقيدة الإسلام جاءت لتربط الإنسان بربه ليعبده ولا يشرك به شيئا، كما جاءت لترقق قلبه وتمسح عن أعينه غشاوة الغفلة؛ وذلك لأنها الميثاق الغليظ يربط الخلق بخالقه؛ حتى يفرد بالعبودية وحده، قال تعالى: “واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالولدين إحسانا“(النساء:35).
ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما بدأ به في الدعوة الإسلامية هو تصحيح المعتقدات الفاسدة التي كانت سارية في مجتمع الجاهلية آنذاك؛ من قتل البناة وتمجيد الأصنام وغير ذلك، حيث استغرق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته ثلاثة عشرة سنة وهو يدعو إلى عباد الله؛ وترك المعتقدات الفاسدة، ولما نجح في ذلك واستقرت الأوضاع والمعتقدات الصحيحة في عقول المسلمين، انتقل بهم إلى بيان أحكام التشريع من صلاة وصيام وحج وما إلى ذلك، حيث قال تعالى: “وأنزلنا إليك الكتب بالحق لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون” (النحل:44).
ولما أحدثت العقيدة الإسلامية ذلك التغيير في القوانين الطاغية، والأعراف المشينة، كان ذلك إيذانا من رب العلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم قادر على تغيير الأوضاع والأحوال، والانتقال بالناس من عبادة العباد؛ إلى عبادة رب العباد، حيث إن العقيدة الإسلامية عقيدة محركة للنفوس ومغيرة للطباع، فحين يدرك الإنسان المسلم أسرارها ومقاصدها يكون قد أصاب الحق واتبع الطريق الصحيح؛ الذي نهجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وساروا عليه الأسلاف رضي الله تعالى عنهم أجمعين إلى يوم الدين.
إن العلم بأسرار العقيدة الإسلامية ومقاصدها يرجع إلى بداية الدعوة الإسلامية زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وذلك لأن تثبيت العقيدة الإسلامية الصحيحة وترك العقائد الفاسدة دليل على الإيمان الصادق؛ واليقين التام، أن الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى هو دين الحق، وأن غيره من الديانات السابقة ذهبت بذهاب أصحابها وما تبقى منها محرف ومزيف.
ومعلوم أن الإنسان المسلم لما تكون عقيدته سليمة صحيحة لا يمكن أن يومن بالخرافات والخزعبلات التي لا تبت للدين بصلة، بل معظمها يضرب في صميم الدين، لأن بعض الناس اليوم لما أصبحوا يفهمون الدين الإسلامي أو الشريعة الإسلامية عبارة عن شكليات يمارسونها؛ من صلاة وصيام وحج وغيرها، أبعدوا الدين عن جميع مناحي الحياة.
حيث أصبح جل الناس عرضة لاتباع الهوى، لا يومنون بالقيم التي جاء بها ديننا الحنيف؛ ومنصوص عليها في القرآن الكريم وسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنما أصبحوا يتبعون ويقلدون أهل الضلال، حتى أصبحت العقيدة الإسلامية فارغة من محتواها القيمي والسلوكي، جاهلين أو متجاهلين العقيدة الإسلامية الصحيحة التي أساسها القرآن الكريم؛ والسنة النبوية الصحيحة الثابتة، خصوصا من ذلك القطعيات (نصوص القرآن والسنة) التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ولا تتبدل بتبدل الأمصار والأعصار والإنسان.
وفرق كبير بين الأحكام الفقهية والأحكام العقدية، حيث إن الأولى يجوز الاجتهاد فيها، بينما الثانية لا يجوز الاجتهاد فيها؛ ولا تتغير بتغير الزمان والمكان والإنسان، لذلك فإن الحاجة إلى البحث في العقيدة الإسلامية ومقاصدها وعلاقتها ببناء القيم؛ أصبحت ضرورة علمية، وذلك لتصحيح التمثلات الفاسدة السائدة في مجتمعنا، واستثمار ذلك في بناء القيم الإسلامية النبيلة؛ التي اختلطت بها مجموعة من الأمور الغريبة ويومنون الناس بها.
حتى إن بعض الناس تجد فيه نصف مومن ونصف غير مومن، مع العلم أنه يومن بأركان الإيمان كلها إيمانا صادقا، وبالمقابل تجده يصدق الخرافات و”الشوافات” والمشعوذين وما إلى ذلك من الأمور الفاسدة والخطيرة.
إن الحديث عن موضوع العقيدة محفوف بالمخاطر والمنزلقات قد لا يسلم منها المرء إن لم يكن على علم بذلك، لأن الموضوع خطير وشائك؛ يتعلق بأصل التوحيد وهي العقيدة الإسلامية ومقاصدها من جهة، واستثمار ذلك في بناء القيم الإسلامية من جهة أخرى.
ذلك أهدف من خلال هذا المقال إلى وضع الإطار العام لموضوع معرفة مقاصد العقيدة الإسلامية وربط ذلك ببناء القيم الإسلامية؛ على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، إذ معلوم أن مقاصد العقيدة لها جذور تاريخية في الفكر الإسلامي؛ ومرت بمجموعة من المراحل التاريخية حتى برزت نتائجها في بناء القيم على جميع المجالات المجتمعية، لذلك ما ينبغي البحث عنه في الدراسات الجامعية والأكاديمية اليوم، هو البحث عن إحياء العلوم الشرعية بمختلف أنواعها خصوصا علم العقيدة التي هو أصل التوحيد.
حيث إن كثيرا من الشوائب الدخيلة على هذا العلم والخرافات وغيرها، جعلت مفاهيم هذا العلم تختلط على كثير من الناس، حتى أصبح بعض المسلمين عرضة لتصديق الأكاذيب والطقوس من طرف بعض المشعوذين والسحرة، إضافة إلى ضمور بعض القيم الإسلامية؛ والتي هي جزء من الدين، وأصبحت تنقرض يوما بعد يوم، خصوصا حين دخلت العولمة إلى غزو جميع البيوت والأسر؛ أضحى من الضروري أن أثير بعض الإشكالات العلمية التي تستدعي الدراسة والبحث عسى أن تعود الأمة الإسلامية إلى رشدها واتباع طريق ربها ونبيها عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
كل ما سبق ذكره لا يعدو أن يكون مقدمة لسلسلة من المقالات التي عزمت أن أنجزها لبيان مقاصد العقيدة الإسلامية وعلاقتها ببناء القيم الكونية راجيا من الله أن يوفقني لذلك، وأن يوفق جميع المسلمين والمسلمات إنه على كل شيء قدير.