زُين مصطلح الانفتاح في مرحلة الاستعمار والتبعية من قبل دعاته المبهورين به، فربطوه بالمرونة والوعي والعلم والتبادل الحضاري، مع أنه لم يحقق للأمة سوى التضليل الذي جعلها تقبل بالاستلاب، لأنه في الأصل انفتاح قسري إجباري.
والغرب لم يصل إلى ما وصل إليه الآن من استغلال لأراضي وثروات المسلمين إلا بعد أن هيأ الأرضية التي تقبل أفكاره وأطروحاته، وإليك أيها القارئ الكريم جملة من أقوال مستشرقي ومنصري ومنظري الغرب:
قال “سوردون”: “إن الأسلحة الفرنسية هي التي فتحت البلاد البربرية فلأصحاب هذه الأسلحة الحق في اختيار التشريع الذي يجب تطبيقه في البلاد.. وإذا كانت العادات العرفية البربرية لم يكن لها مناص من الاضمحلال أمام مشروع مدون (يعني الشريعة الإسلامية)، فلماذا لا تضمحل أمام شرعنا نحن الفرنسيين” (الغزو الفكري والتيارات المعادية ص:115).
وعن (اللامبالاة) وعدم الاكتراث بالدين التي قلد فيها المسلمون الغرب يقول “باتاي”: “.. وهنا ظهر على المسرح (الغربي) المحمل بالهيبة والذي يحتل وضعاً أعلى ويحمل ثقافة تستحضر الرغبة في محاكاتها: أن هؤلاء الأجانب لا ينتمون فقط إلى دين مختلف، ولكن اتجاهاتهم نحو دينهم المسيحي كانت فاترة، فكان من الطبيعي أن يقلد هؤلاء المعجبون بالطرق الغربية من مجموع ما قلدوه الفتور نحو الدين واللامبالاة به، فأظهروا عدم الاهتمام بدينهم هم”.
يقول المبشر “صموئيل زويمر” : “ما دام المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية، فلابد أن ننشئ لهم المدارس العلمانية و نسهل إلتحاقهم بهذه المدارس التي تساعدنا على القضاء على الروح الإسلامية عند الطلاب”.
و يقول المبشر “تكلي”: “يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني لأن كثيراً من المسلمين قد زعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية و تعلموا اللغات الأجنبية”.
يقول المستشرق الإنجليزي “جب” موضحاً أهمية الصحافة في تغريب المسلمين: “وللوصول إلى هذا التطور الأبعد الذي تصبح الأشكال الخارجية بدونه مجرد مظاهر سطحية يجب ألا ينحصر الأمر في الاعتماد على التعليم في المدارس بل يجب أن يكون الاهتمام الأكبر منصرفاً إلى خلق رأي عام، والسبيل إلى ذلك هو الاعتماد على الصحافة”.
ثم يقول: “إن الصحافة هي أقوى الأدوات الأوروبية وأعظمها نفوذاً في العالم الإسلامي”.
ثم يبين نتائج هذا الغزو الفكري عن طريق الإعلام المكتوب إلى جانب غزو المناهج التعليمية : “إن النشاط التعليمي والثقافي عن طريق المدارس العصرية والصحافة قد ترك في المسلمين من غير وعي منهم أثراً جعلهم يبدون في مظهرهم العام لا دينيين إلى حد بعيد، وذلك خاصة هو اللب المثمر في كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته، من آثاره أن الإسلام كعقيدة لم يفقد إلا قليلاً من قوته وسلطانه، ولكن الإسلام كقوة مسيطرة على الحياة الاجتماعية قد فقد مكانته، فهناك مؤثرات أخرى تعمل إلى جانبه، وهي في كثير من الأحيان تتعارض مع تقاليده وتعاليمه تعارضاً صريحاً، ولكنها تشق طريقها بالرغم من ذلك إلى المجتمع الإسلامي في قوة وعزم، وبذلك فقد الإسلام سيطرته على حياة المسلمين الاجتماعية، وأخذت دائرة نفوذه تضيق شيئاً فشيئاً حتى انحصرت فى طقوس محدودة”.
فلنتأمل كلام هؤلاء المستشرقين والمنصرين والمنظرين لندرك الهدف المتوخى وراء الإسرار من المطالبة بالانفتاح.