وقفات مع خمسة من أحداث عام 2016م محمد ويلالي

2016م سنة مضت كسائر السنين قبلها، لكنها سنة ليست كغيرها، سنة عرفت من المحطات الجِسام، والأحداث السِّقام، ما يحتاج إلى قليل من التأمل، وهي كثيرة، نقتصر على خمسة منها:
1ـ سنة 2016م، سنة وفيات الكبار، وتواري المشاهير. فقد سجل التاريخ 177 من الذين ذاع صيت وفاتهم، وانتشر خبر لحوقهم بربهم.
ـ منهم دعاة إلى الله كبار، ومحدثون لا يشق لهم غبار، وقراء طار صيتهم في الأمصار، جابوا الأرض طولا وعرضا، ينشرون كتاب الله، ويتلونه بأصواتهم العذبة المؤثرة، ويعلمون حديث رسول الله، وينكبون على تمحيصه تصحيحا وتضعيفا، فجزاهم الله عنا خير الجزاء، وجعل مثواهم في رياض الجنان.
ـ ومنهم رياضيون كبار، كانوا بالأمس يشتعلون حيوية وقوة ونشاطا، يجوبون ميادين المبارزة، ويعتلون حلبات المصارعة. استلذوا نعيم الحياة العاجلة، واستمرأوا ملذة الشهرة، فاستيقظوا وهم بين يدي الله، قد اعتصرهم الموت، وتربص بهم الأجل، وقضى عليهم الفناء، ولسان حالهم يخاطبنا ويقول: أيها الأحياء، نحن اليوم بين يدي ربنا، بعد أن ذقنا سكرات الموت، ورأينا مقعدنا في الآخرة من جنة أو نار، وغداً الدائرة عليكم، فاتقوا الله، فوالله إن الموت حق، وإن سؤال القبر حق، وإن نعيم القبر أو عذابه حق، وإن الآخرة حق، وإن الجنة والنار حق.. فإن كان منا الغافل الذي لم يستفق إلا بعد الموت، فاجتهدوا أنتم في الأعمال الصالحة، فوالله لن تنفعكم شهرة، ولن تمنعكم من الله قوة، ولن يدوم لكم شباب، ولن ينفعكم من نفسكم عتاب.
فلو أنـــا إذا متنا تُركــنا *** لكان الموتُ راحةَ كلِّ حيِّ
ولكنـــا إذا متــنا بُعثنــا *** ونسألُ بعده عن كــلِّ شيِّ
ـ ومنهم ممثلون عالميون، عاشوا مع الناس في بيوتهم، شغلوا الدنيا وملأوا جنباتها. طارت بهم الشهرة، ثم هم اليوم للناس عبرة، يعيشون فرادى مع أعمالهم، ويستأنسون أو يستوحشون بما قدمت أيديهم.
ـ ومنهم علماء الفلك، ورواد الفضاء، اطلعوا على أسرار الله في الكون، وأطلعهم الله على بعض العوالم خارج كرة الأرض، وجاؤوا بحقائق تمنح المؤمن ثباتا، وتزيده حجة وإثباتا.
ـ ومنهم 15 من رؤساء الدول، كانوا بالأمس يبسطون سلطتهم على بلاد وولايات، يقام لهم ويقعد، وهم اليوم يقيمهم عملهم أو بهم يَقعُد. تركوا سلطانهم، وأموالهم، وممتلكاتهم، وآبُوا إلى الحي الذي لا يموت.
خَلَط الحِمام قويَّهم بضعيفهم *** وغنيَّهم سـاوى بذي الإقتار
أما من سواهم من المغمورين، الذين ماتوا في هذه السنة ولم يعرفهم أحد، فهم ضمن 60 مليونا من الذين ماتوا هذا العام، وربما منهم من ينتمي إلى 145 ألفا الذين ماتوا بالأمس، أو نصفهم الذين ماتوا اليوم، أو 114 الذين يموتون كل دقيقة، مقابل ازدياد 143 مليون مولود جديد هذا العام.
من الموتى هذا العام 8 ملايين و200 ألف، ماتوا بالسرطان الذي أصاب 12 مليون شخص هذا العام. و 5ملايين ماتوا بالسكري الذي يعاني منه واحد على كل 12 شخصا. وقرابة مليونين ماتوا بالسيدا، ضمن 40 مليون مصاب. و 5 ملايين ماتوا بسبب تدخين أزيد من 14 مليار سيجارة، مع العلم أن العالم أنفق هذا العام على المخدرات قرابة 400 مليار دولار. ومنهم مليونان ونصف ماتوا بسبب شرب الخمور والكحول. ومنهم أزيد من مليون ماتوا انتحارا ويأسا.
2ـ سنة 2016م، سنة خمسة من الحروب البارزة المشتعلة، وعدد من الحروب الصامتة الباردة. حروب تنفق عليها الحكومات في كل يوم من أيام هذه السنة 4 مليارات ونصفا. من أشنع هذه الحروب ما يدور في الشرق الأوسط في بؤر متعددة، منها حرب الشام التي تباد فيها مدن وقرى عن آخرها، ويسحق فيها المواطنون بالدبابات، والطائرات، والبراميل المتفجرة، حتى بلغ عدد القتلى في هذه السنة أزيد من 7000 شخص. وفي يوم واحد من أيامها قتل 154 شخص مرة واحدة، بتحالف بين من أعداء سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ومن أبشع هذه الحروب ما تشهده فلسطين من مآس وأحزان، وتضييق وحصار، وقتل وتدمير، حيث بلغ عدد القتلى الفلسطينيين منذ 1948 أزيد من 20000 فلسطيني.
3ـ سنة 2016م، سنة التفجيرات الطائشة، والعمليات الانتحارية غير المحسوبة، التي عادت على المسلمين بمضاعفة التضييق، وارتفاع وتيرة العداء والأحقاد. 14 تفجيرا شهدتها هذه السنة في مدن أوربية وإسلامية، أودت بحياة العشرات، وجرح المئات، لم تقو ظهر المسلمين، ولم تضعف قوة المعارضين، بل ضاعفت على المسلمين التضييق، عنتا، وسبا، وشتما، واتهاما، وطردا، في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون فيه إلى إبراز صورة الإسلام الحقيقية، ونشر سيرة رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصافية، الذي قال: “إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ” البخاري. وقال: “أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ” متفق عليه. وهو حكم يشمل غير المسلم إذا كان معاهدا آمنا، أو لم يكن من المحاربين المجاهرين بعداوتهم للمسلمين، حتى لا يكون فسادا في الأرض. قال ـ تعالى ـ: “مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً”. ولا شك أن تفجير الآمنين في الأسواق، أو الاعتداء عليهم في القطارات، أو دهسهم بالحافلات، من المخالفات الشرعية، التي اتفق العقلاء من أهل العلم على تحريمها.
4ـ سنة 2016م، سنة الآيات الكونية، التي تذكر بقدرة الخالق، ولطفه في تدبير الخلق، حيث كسفت الشمس مرتين كسوفا كاملا، وظهر ما يعرف بالقمر العملاق، حيث وصل القمر إلى أقرب نقطة من الأرض، حتى رآه الناس على أكبر حجم ظهر به منذ سنة 1948م، فحدثتنا وسائل الإعلام عن الظاهرة العلمية، ولم تحدثنا عن الظاهرة الوعظية الردعية التخويفية، وما تستوجب من الآداب. كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا مِنْ آيَاتِ الله يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ كُسُوفًا فَاذْكُرُوا اللَّهَ حَتَّى يَنْجَلِيَا” متفق عليه. وفي لفظ عند مسلم: “فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلاَةِ”. وفي لفظ آخر: “فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَكَبِّرُوا، وَادْعُوا اللَّهَ، وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا”.
والكون مشـحون بأسـرار إذا *** حاولت تفسيراً لها أعيـــاكا
يا مُدرك الأبصار والأبصار لا *** تدري له ولكنــهه إدراكـــا
إن لم تكن عينــي تراك فإننـي*** في كل شيء أستبـــينُ علاكا
5ـ سنة 2016م، سنة الأمراض الفتاكة، والأوبئة المنهِكة. سنة ما يسمى بمرض زيكا، الذي أرعب العالم، حتى أعلنته منظمة الصحة العالمية حالة صحية عالمية طارئة، اضطرت معه رئيسة البرازيل أن تعطي لسلطات الصحة حق دخول الممتلكات الخاصة بالقوة، لمكافحة انتشار الفيروس، وأصدرت دعوة للنساء الحوامل للامتناع عن القدوم إلى البرازيل لحضور أولمبياد 2016، لأن هذا المرض مسؤول عن ولادة مئات المواليد بتشوهات خلقية، وهو مرض توقعت معه منظمة الصحة العالمية أن يصل عدد المصابين به في الأميركيتين إلى ما بين ثلاثة وأربعة ملايين شخص خلال هذا العام.
وفي هذا العام، أصابت الملاريا قرابة مئتي مليون شخص، وقتلت زهاء مليون شخص آخرين، أكثر من 80% منهم أطفال دون سن الخامسة.
وفي هذا العام انتشرت حمى غريبة في أكثر من مائة دولة حول العالم، تسمى حمى الضنك، وهي أحد أنواع الحمى النزفية، وهو مرض فيروسي ينتقل إلى الإنسان بوساطة بعوضة تسمى الزاعجة، تنقل الجرثومة من مصاب إلى سليم، وتصيب الرضع والأطفال الصغار والبالغين على حد سواء. أصيب به هذا العام نصف مليون شخص، أضيفوا إلى 100 مليون مصاب عبر العالم. قال ـ تعالى ـ: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى”. إنها المعاصي وكثرة الفواحش، إنه البعد عن الله، والتيهُ عن منهج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحياة، الذي قال: “لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا” صحيح سنن ابن ماجة.
أنت في دار شتـــــاتٍ *** فتأهب لشتاتـــــكْ
واجعل الدنيا كيــــومٍ *** صُمتَه عن شهواتـكْ
وليكن فطرُك عنــد اللــــــــــهِ في يوم وفاتــــكْ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *