قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: “وذهب الجمهور من الناس إلى أن “الرحمن” مشتق من الرحمة مبني على المبالغة؛ ومعناه ذو الرحمة الذي لا نظير له فيها، فلذلك لا يثنى ولا يجمع كما يثنى “الرحيم” ويجمع.
قال ابن الحصار: ومما يدل على الاشتقاق ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: “قال الله عز وجل أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته”. وهذا نص من الاشتقاق، فلا معنى للمخالفة والشقاق، وإنكار العرب له لجهلهم بالله وبما وجب له.”([1]).
“قال أبو علي الفارسي: “الرحمن” اسم عام في جميع أنواع الرحمة، يختص به الله. “والرحيم” إنما هو في وجهة المؤمنين؛ كما قال تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43]. وقال العرزمي: “الرحمن” بجميع خلقه في الأمطار ونعم الحواس والنعم العامة، “والرحيم” بالمؤمنين في الهداية لهم، واللطف بهم.”([2]).
قال ابن عطية رحمه الله تعالى في محرره: “والرحمن صفة مبالغة من الرحمة ومعناها أنه انتهى إلى غاية الرحمة كما يدل على الانتهاء سكران وغضبان وهي صفة تختص بالله ولا تطلق على البشر وهي أبلغ من فعيل وفعيل أبلغ من فاعل لأن راحما يقال لمن رحم ولو مرة واحدة ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك والرحمن النهاية في الرحمة.”([3]).
قال الراغب: “ولا يطلق الرحمن إلا على الله تعالى من حيث إن معناه لا يصح إلا له إذ هو الذي وسع كل شيء رحمة… وعلى هذا قال: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون}، تنبيها أنها في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين، وفي الآخرة مختصة بالمؤمنين”([4]).
كانت تلكم بعض أقوال أهل العلم في تفسير اسم الله “الرحمن” والملاحظ أن هناك إجماع أو شبه إجماع منهم على أن “الرحمن” مشتق من الرحمة -وهو قول الجمهور- على وجه المبالغة أي أنه كثير الرحمة.
فالرحمن هو الذي وسعت رحمته كل الخلائق كما قال جل وعلا: “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ“، وقال تعالى على لسان ملائكته: “رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً“، فرحمته سبحانه وسعت الإنس والجن والدواب بل وسعت أهل الأرض والسموات.
“وهذه هي الرحمة العامة التي تشمل جميع المخلوقات حتى الكفار، لأن الله قرن الرحمة هذه مع العلم، فكل ما بلغه علم الله -وعلم الله بالغ لكل شيء- فقد بلغته رحمته..”([5]).
ومن الأدلة كذلك قوله تعالى: “الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى“، وقوله: “ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ“، فذكر الاستواء باسمه “الرحمن” ليعم جميع خلقه برحمته.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا المعنى: “ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الاسم كثيرا -ثم ذكر الآيتين- وقال: فاستوى على عرشه باسم الرحمن لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم كما قال تعالى: “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ“، فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات فلذلك وسعت رحمته كل شيء..”([6]).
فما بال هذا الشيخ الدعي يخالف جماهير العلماء والمفسرين ليهرف بما لا يعرف ويهذي بما لا يدري زاعما أن الرحمن اسم دال على التخويف لا على الرحمة.
حيث يقول وليته لم يقل: “انظروا إلى مواقع اسم الرحمن في الكتاب تجد الله يخوفنا بالرحمن وتجد الأنبياء يخوفون أقوامهم بالرحمن”اهـــ.
فتتبع هذه المواقع في زعمه ليقف على حقيقة اسم الرحمن بعقله، ويصل إلى هذا المعنى الغريب الذي لم يقل به بعيد ولا قريب.
———————————————————-
([1] ) الجامع لأحكام القرآن:1/104.
([2] ) نفسه:1/105.
([3] ) المحرر الوجيز:1/57.
([4] ) المفردات:191-192.
([5] ) شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيميين رحمه الله تعالى.
([6] ) إغاثة اللهفان.