حينما تخبر “متعقلنا” بحديث ذهاب الشمس تحت العرش تسجد عند غروبها، فليستحضر أنه غير جائز له “النفي” بناء على ما يعتقده معرفةً بطبيعة “الزمن”، فلعل الأمر أكبر منه وألطف من أن يستوعبه عقله الصغير، فلا تزال الاكتشافات العلمية تفضح كمية الجهل الكبيرة جدا التي يعيشها الإنسان..
أقسم الله بالعصر والليل والنهار والضحى، وكلها أجزاء وأنواع من “الزمن” الذي يعد رديف المكان لا ينفك عنه، ومعه كونه من أكثر الأمور لصوقا بحياة الناس وسهولة في الحديث عنها في كل اللغات، فإنه يعد واحدة من أصعب الألغاز والإشكاليات.
فما معنى “الزمن” وما هي حقيقته؟ وما هي خصائصه الذاتية؟
بل.. هل الزمن “حقيقة” أم “خيال” و”سراب”؟
أسئلة ثقيلة دفعت العلماء والباحثين في مختلف التخصصات المرتبطة بالتجربة والمعادلات إلى الوقوف موقف العاجز من الإجابة، وأحيانا يغامر بعضهم بالجواب فيصير نكتة بين قومه، وما يلبث أن تنهال عليه سهام النقد اللاذع الساخر المسفه.
تعرف الإنسان قديما على “الزمن” بـ”أثره” و”مظهره” في الواقع والنفس، وتطور استعماله، فاتخذ دورة الأرض حول نفسها معيارا لحسابه، فكان اليوم والليلة، ثم قسم اليوم إلى ساعات، ثم إلى دقائق، ثم إلى ثواني، ثم قسمت الثانية إلى أكثر من تسعة ملايير جزء، هي عدد النبضات الضوئية لذرة السيزيوم عند تعرضها لقصف بالطاقة! وهي الضامن الأكثر فعالية واستقرارا إلى “زماننا” لـ”الزمن”، بزيادة ثانية كل مائة مليون سنة…
استطاع الإنسان تسخير المفهوم عمليا وإن لم يستطع التعرف على حقيقته نظريا، وقد جعله هذا يبقي الأسئلة مفتوحة لكل أنواع الإجابات، خاصة عندما وقع على بعض الخصائص المثيرة لـ”الزمن”.
فبعد أن اقترح أينشتاين جعل “الزمن” بعدا رابعا في ما سماه بـ”الفضاء الزمني” هاب العلماء البت في شيء يتعلق به إلا لمما، وتقوم نظرية أينشتاين على أن حركة الزمن تختلف من شخص إلى شخص بالنظر إلى سرعته، وأن “الزمن” قد يتحول بعضه إلى “مكان” والعكس، وقد أفصحت تجربة 1971م أن الساعة تأخرت قليلا جدا عند راكب طائرة نفاثة على ساعة شخص ثابت على الأرض، وهذا بناء على أن الجاذبية الناتجة عن السرعة تثقل حركة “الزمن”!
حينما تخبر “متكلما أشعريا” مثلا عن أن الله تعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا، فتسمعه يؤول ذلك مستهجنا نسبة النزول إلى الله، فقل له، إنما يصح هذا إذا كنت محيطا معرفة بـ”الله” تعالى، ثم بـ”الزمن” حتى يستقيم لك النفي، هذا بعد الانتباه إلى أن “الزمن” داخل في “مخلوقات الله” اللطيفة، وأن الله تعالى غير خاضع سبحانه له، لأنه خلقه جل وعلا.
حينما تخبر “متعقلنا” بحديث ذهاب الشمس تحت العرش تسجد عند غروبها، فليستحضر أنه غير جائز له “النفي” بناء على ما يعتقده معرفةً بطبيعة “الزمن”، فلعل الأمر أكبر منه وألطف من أن يستوعبه عقله الصغير، فلا تزال الاكتشافات العلمية تفضح كمية الجهل الكبيرة جدا التي يعيشها الإنسان، كمية تحكي أننا لا نعرف من الكون من مكوناته وحجمه إلا قريبا من واحد في المائة.
أكدت أحدث النظريات أن الرجل ذي الأربعين سنة لو ودع زوجته وابنه وسافر في الفضاء بسرعة كبيرة مارا بقرب “الثقوب السوداء” في سنة واحدة فإنه حينما سيعود وهو ابن واحد وأربعين سنة سيجد الأرض غير الأرض، ولن يجد من ذريته… إلا أحفاد احفاده…!
حينما يطالع أحدنا أحاديث الفتن، وتواريخ الأمم ينبغي أن يستحضر “جهله” بحقيقة “الزمن” حتى لا يهجم على الأحداث بغير علم! ومثل ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم في أن الأرض “تطوى” ليلا للمسافر، فلا يغامر بالرد ولا يقامر بالاستنكار لسبب واحد، هو أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.. وبهذا يظهر كيف يمكن أن يكون استنكار “قريش” لإسراء النبي صلى الله عليه وسلم ومعراجه في ليلة واحدة ضربا من “الغباء” و”الحمق”.
فإن أحدث النظريات تؤكد أن الرجل ذي الأربعين سنة لو ودع زوجته وابنه وسافر في الفضاء بسرعة كبيرة مارا بقرب “الثقوب السوداء” في سنة واحدة فإنه حينما سيعود وهو ابن واحد وأربعين سنة سيجد الأرض غير الأرض، ولن يجد من ذريته… إلا أحفاد احفاده…!