ذ.حسن عديلي*: لم نقبل في العدالة والتنمية بالانزياح في التناوب اللغوي.. ولاعتبارات متعددة فأكثر ما أمكننا فعله سياسيا هو الامتناع عن التصويت |
في الحقيقة إذا تتبعنا جميع التصريحات التي أدلى بها قياديو الحزب وأيضا المواقف المعبر عنها منذ إحالة مشروع القانون الإطار على البرلمان في مختلف المراحل التي قطعها، خلال المناقشة العامة أو التفصيلية وأشغال اللجان عموما، أيضا في مختلف المنابر الإعلامية التي عبرنا من خلالها عن الموقف من القانون الإطار، كل ما عبرنا عنه منذ إحالة القانون إلى اليوم لم يتغير فيه شيء إطلاقا.
الدليل على ذلك أن كلمة الفريق التي كلفت بتقديمها في الجلسة العامة لتقديم القانون للتصويت عليه، تضمنت نفس المواقف المعبر عنها خلال مختلف المحطات المشار إليها آنفا، وليس هناك أي تغيير في الموقف، بحيث أنه منذ البداية كنا نقول بأن هذا المشروع برمته قانون مهم مهيكل استراتيجي له إيجابيات كثيرة على المنظومة التربوية، ساهمنا رفقة جميع الفرق من خلال التعديلات المقدمة في تجويده، كي يخرج في أحسن صورة ممكنة، ومنذ البداية كان الخلاف منحصرا في قضية واحدة وهي “التناوب اللغوي” لا “الهندسة اللغوية”.
الجديد الذي لم نتفق عليه أن التناوب اللغوي في المادة:2 يقول أن التناوب يكون في المواد العلمية والتقنية بأكملها وليس في المضامين والمجزوءات، فنحن بقينا نعبر عن نفس الموقف وهو أننا لا نقبل بهذا التعريف.. |
فـ”الهندسة اللغوية” المتضمنة في المادة31 تشير للمبادئ العامة للهندسة وهي متعددة، ومبدأ منها وهو “التناوب اللغوي” أحال على تعريف وارد في المادة2 وقد اعتبرناه قد تحلل من الرؤية الإستراتيجية، لذلك فالموقف الذي عبرنا عنه منذ البداية أننا لا نتفق مع تعريف التناوب اللغوي ويجب أن نبقى أوفياء للتعريف الوارد في الرؤية الإستراتيجية، لأنه جاء عبر لجان ومسار طويل ومشاورات وفيه إجماع لجميع الحساسيات السياسية للبلاد والمختصين والأكاديميين.
والتعريف وارد في الرؤية الاستارتيجية ويمكن الرجوع إليه وهو الذي يحدد مبدأ التناوب اللغوي في إمكانية اعتماد اللغات الأجنبية في تدريس بعض المضامين والمجزوءات وليس المواد بأكملها، والجديد الذي لم نتفق عليه أن التناوب اللغوي في المادة:2 يقول أن التناوب يكون في المواد العلمية والتقنية بأكملها وليس في المضامين والمجزوءات، فنحن بقينا نعبر عن نفس الموقف وهو أننا لا نقبل بهذا التعريف.
والذي أثار النقاش هو موقفنا من المادتين، فنحن لا نقبل بالمادتين، لكن من الناحية السياسية كيف نعبر عن عدم رضانا عن المادتين؟
كيف عبرتم ذلك داخل الحزب؟
كنا داخل الحزب أمام موقفين، إما أن نصوت عليهما بالرفض، أو أن نمتنع، وكل موقف له تقديره السياسي، ووفق الموقف الذي اتخذته الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، اتخذ القرار بأن الموقف سيكون بالامتناع عن التصويت.
ألا ترى أن الامتناع عن التصويت موافقة بشكل آخر، وفتح الباب للقانون ليتم تمريره؟
هو دائما في التقدير السياسي إما أن تصوت بنعم أو لا أو تمتنع، والامتناع هناك من اعتبره أقرب إلى القبول وهناك من اعتبره أقرب إلى الرفض. ومن الناحية العملية حتى لو صوتنا بالرفض على المادتين، فعدديا كان لن يمنع ذلك القانون من أن يمر، خاصة وأن جميع الفرق عبرت أنها مع القانون برمته.
ثم إن المادتين في حد ذاتهما فيهما مكتسبات كبيرة جدا.
– سنأتي على ذكر المكتسبات، بالنسبة للجبهة التي تم تأسيسها حديثا، والتي تضم فاعلين من مختلف المشار بالفكرية والسياسية والحقوقية، كيف تقيمون مطالبها والنضال التي تعتزم خوضه لإفشال القانون خاصة المادتين 2و31؟
فيما يخص الحراك المدني هذا لا يمكن أن يكون إلا شيئا إيجابيا، لأنه تدافع عادي، ونحن سياسيا عبرنا أن المادتين 2 و31 فيما يتعلق بمفهوم التناوب اللغوي، وإذا استعرضت المادة 31 ستجد فيها 7 مبادئ للهندسة اللغوية، ستة منها لا إشكال فيها، والمادة 2 تعطي عشر تعريفات مصطلحية لا إشكال فيها أيضا، إذا الإشكال موجود في بعض المقتضيات الجزئيات المتعلقة بالتناوب اللغوي، هي التي تطرح الإشكال.
أمر آخر في غاية الأهمية، التناوب اللغوي من الناحية البيداغوجية موجود في أنظمة تربوية متعددة واختلفنا في منسوبه، الرؤية الاستراتيجية أتت بالتناوب اللغوي وتعرفه أنه تدريس بعض المضامين والمجزوءات، بمعنى أننا ندرس مادة الرياضيات بالعربية ولكن بعض المضامين والدروس والمجزوءات تدرس بلغة أخرى.
الجديد في التعريف الذي تحلل من الرؤية الاستراتيجية أنه تكلم عن المادة كلها، وهو بالنسبة لنا غير مقبول، لذلك فتأسيس جبهة للمطالبة بإعادة النظر بالنسبة لي هذا هو الأصل، ونحن من الناحية السياسية قمنا بما يمكننا فعله، تقديرنا في حينها على اعتبار موقفنا في الحكومة، وصلاحيات الأمانة العامة، التي قدرت أن الامتناع عن التصويت عن المادتين هو الأصوب، أما كلمة الفريق في الجلسة العامة فكانت واضحة وأكدنا فيها أنه وقع انزياح في تعريف التناوب اللغوي ونتمنى أن يتم تصحيحه.
كيف تتوقع أن يتم تصحيح هذا الانزياح؟
بإحدى طريقين،
أولا: الحركات المدنية الاجتماعية عنصر إيجابي صحي يفيد ويساعد ولا يضر.
ثانيا: عبر النصوص التنظيمية، وهذه معركة كبيرة جدا، فالهندسة اللغوية والقانون بصفة عامة لا يمكن تنزيله إلا إذا صدرت النصوص التنظيمية، فهناك و6 قوانين و79 مرسوما و80 قرارا، فهذا مخطط تنظيمي كبير جدا.
لا يمكننا اليوم أن نقول بتأسيس “جبهة ضد الفرنسة”، فليست لدينا “فرنسة”، وإنما لدينا انزياح في مفهوم قد يسقطنا في “فرنسة” بعض المواد، خاصة المواد العلمية والتقنية. |
فالهندسة اللغوية وحدها تحتاج إلى نصوص ومراسيم سيصادق عليها في مجلس الحكومة، وهي التي ستحدد الهندسة اللغوية في التعليم الأولي والابتدائي والثانوي.
التعريف الآن بقي مفتوحا على الأمرين معا، تدريس بعض المضامين والمجزوءات أو المواد، والثاني ما كنا نرفضه.
في تقديري إذا كان اجتهاد على مستوى صياغة متوازنة وسليمة للمراسيم يمكن إن كان هناك عملا مشتركا ونية سليمة أن نتدارك الإشكال الذي وقع.
هل لديك ملاحظات على الجبهة التي أسست؟
من الإيجابيات التي جاء بها القانون الإطار أنه:
– سينهي الفوضى الموجودة في التعليم الخصوصي، وأثمنة رسوم التسجيل والتأمين.. – سيتم إدراج وحدة باللغة العربية في كل المسلك الجامعية التي تدرس باللغات الأجنبية.. – إقرار تعويضات للأطر الإدارية والتربوية العاملة بالعالم القروي، وتعويض الأساتذة مقابل الابتكار والإبداع.. |
ملاحظتي على الجبهة التي أسست أن تقول أنها ضد الفرنسة، فالفرنسة في المناهج تأتي في مقابل تعريب المناهج، لما كان عندنا التاريخ يدرس بالفرنسية Histoire géo، والفلسفة، وكانت المدرسة مفرنسة جاء في مقابلها التعريب، أما اليوم فلا يمكن أن نقول جبهة ضد الفرنسة، فليست لدينا فرنسة وإنما لدينا انزياح في مفهوم قد يسقطنا في فرنسة بعض المواد، خاصة المواد العلمية والتقنية.
يمكن لبعض الناس ألا يروقهم تقديرنا السياسي بالامتناع عن التصويت بدل أن نعارض، وهذا له اعتبارات.
– باختصار ما هي الايجابيات التي جاء بها القانون الإطار؟
الإيجابيات كثيرة جدا فبالنسبة للغة العربية:
– فلأول مرة يسمح في التعليم العالي بفتح مسارات باللغة العربية، في إطار استقلال الجامعات وجاهزية الأطقم البيداغوجية التابعة لها، فأساتذة الطب إن أرادوا تدريس المادة بالعربية فالقانون يعطيهم هذه الإمكانية، وما على الأساتذة إلا أن يشمروا على سواعد الجد ويشتغلوا.
-إلزامية إدراج وحدة باللغة العربية في كل المسلك الجامعية التي تدرس باللغات الأجنبية.
– النقاش الذي يثار حول الاستعمالات اللغوية، كالدارجة، أصبح الآن جزء من الماضي، فالقانون حسم في هذا الموضوع، بحيث لا يمكن بعد إقراره الحديث عن الدارجة كلغة للتدريس.
– اعتماد اللغة الإنجليزية في التكوين المهني.
أما فيما عدى اللغة العربية فهناك مستجدات كثيرة، فيما يخص الهيكلة وحكامة المنظومة والتقييم والتعليم الخصوصي..
فبالنسبة للفوضى الموجودة في التعليم الخصوصي، وأثمنة رسوم التسجيل والتأمين.. كل ذلك سيتم تقنينه بالنصوص التنظيمية.
أيضا ما يتعلق بالبرامج والمناهج، سيتم إحداث اللجنة الوطنية للبرامج والمناهج بدل لجان مشتتة.
وهناك مستجدات اجتماعية مهمة أيضا، عبر إقرار تعويضات للأطر الإدارية والتربوية العاملة بالعالم القروي، وتعويض الأساتذة مقابل الابتكار والإبداع..
ويبقى أهم مكتسب تم تحقيقه، أنه بدل أن تكون عندنا مراجع إصلاحية غير ملزمة كالميثاق والرؤية، أصبح لدينا اليوم نصا قانونيا ملزما لجميع الفاعلين.
في الختام أوضح، أن الانزياح في التناوب اللغوي لا نقبل به وسياسيا أكثر ما يمكننا فعله هو الامتناع عن التصويت، وبالنسبة لنا الامتناع عدم رضى وليس تيسيرا لتمرير القانون، فحن غير راضين عنه، ولكن لاعتبارات متعددة، موقعنا في رئاسة الحكومة، إضافة إلى الإيجابيات الكبرى للقانون، والموازنة بين كل ذلك رجحنا بأن نمتنع عن التصويت على القانون.
ــــــــــــــــــــــــ
*ذ. حسن عديلي: (نائب برلماني، عضو لجنة التعليم والثقافة والاتصال،عضو مجلس جهة مراكش آسفي).