لا تبحث عمن تشاركه الثرثرة وفضول الكلام، ومن تقاسمه تفاصيلك الصغيرة والكبيرة..
ومن تفصح له عن أفكارك وخواطرك، وتكشف له عن خباياك وأسرارك، وأحلامك ومكنون أعماقك..
ومن تعرض عليه اختياراتك، وقراراتك في الحاضر والمستقبل، ومن تحدِّثه عن المكتوب على سطور يوميّاتك وسجلِّ ذكرياتك، ومن تحيطه بحدود جغرافيَّتك، وتعرِّفه بسيرتك وتاريخ حياتك بالكامل..
ولا تبحث عمّن يشقُّ معك طريقك الشاقَّ بالطّول والعرض إلى منتهاه، أو من يكون عكّازك وعصاك التي تتوكأ عليها، وظهرك وحائطك الذي تستند عليه..
ولا تبحث عمّن يلازمك في حلّك وترحالك، ويمضي معك كظلِّك وخيالك، ويحمل عنك أثقالك وأحمالك، ويحتويك ويحتوي همومك وأحزانك، ويخفِّف شجونك وآلامك..
فيوما ما ستجد نفسك وحدك، وتجد نفسك من تضمُّك وتحضنك، وتحنّ إليك وتشتاق لك!!!
وسينفضُّ النّاس عنك وعن مجلسك، وسيتفرّقون من حولك، ومهما أحببتهم أو أحبّوك فهم سيرحلون عنك ويهجرونك ويبتعدون سواء اختاروا ذلك بإرادتهم الحرّة، أو لأنّهم أُجْبِروا على ذلك قَسْرًا واضْطِرارًا، أو لأنّهم صُعِقوا حين حُلول النّوازل، ومواجهة الظّروف والأحداث..
فالناس يغيّرون مقاعدهم وكراسيهم القديمة، ويملّون من وجودهم في نفس الأماكن والمنازل والمجالس، ويضجرون من صحبتهم ورفقتهم لنفس الأشخاص بما فيهم أنت..
فلا تستغرب ولا تندهش إن تبدَّلت أحوالهم وتغيَّرت تصرّفاتهم، وصدمتك مواقفهم وردّات أفعالهم، أو طعنوك من الخلف دون سابق تحذير وإنذار وإخبار، أو رَمَوْك بسِهام الغدر ونِبال الخيانة والخذلان، أو قسَت عليك قلوبهم بجفاء، أو فسدت أخلاقهم وماتت ضمائرهم، فهم يخلعون جلودهم ليلبسوا لحياتهم لباسها وجلدها اليابس والجاف، وهم يتلوَّنون بألوانها وطبيعتها المتقلّبة، ويتقدّمون مع تقدّم أطوارها وتغيّر فصولها المختلفة..
فتعوَّد منذ البداية على استقبال التّغيير وحدوث الطوارئ والمفاجآت، ومواجهة المصائب والصّدمات.. واستمتع بوجودك مع نفسك، وتآلف معها وتودَّد إليها، ووثِّق رباطك بميثاقها، وشُدَّ عُراك بعُراها ووصلها، وصاحبها ورافقها وتصالح معها..
وأحبب نفسك مع نفسك، وتقبّل ملامح صورتك وتقاسيم وجهك، وشكلك ومظهرك، وتعايش مع همومك وأحزانك، واستقبل أفراحك، وعش لحظاتك بلونها الأبيض والأسود، وارض بنصيبك ورزقك وتصريف أقدارك، وحياتك كما هي..
وتلذَّذ بانتشاء أريج فصولك، وأيّامك وساعاتك، واغتبط في حضرة نفسك وخلوتك، وارتق بها وتسامى بأحلامك وطموحاتك، واستجمم في رياض أُنْسِك ومع سمير نفسك..
واستغن بالله وتوكَّل عليه، واكتف به عمّن سواه، وتذلّل إليه ولا تتذلَّل لغيره من خلقه وعباده الفقراء، فهو سبحانه من سيعينك على قضاء حوائجك وأمورك وشؤونك، وهو سبحانه من سيقوّي ضعفك ويشدُّ أزرك، ويجبر كسرك، ويحمل عنك أثقالك، ويخفِّف آلامك ويرتِّق جراحك، ويفرِّج كربك وييسِّر عُسْرك، وهو سبحانه من سيغنيك ويكفيك ويرضيك ويسعدك، وهو سبحانه من سيؤنسك في وحدتك وغربتك، وهو سبحانه معك حيثما كنت وفي كلِّ زمان ومكان..
فاقترب منه واعبده وتبتَّل إليه، واطرق بابه وتوسَّد عتبته، ولازم طاعته ومرضاته، واجتهد في عبادته والإخلاص في محبته، ولازم مدّ يدك بالدعاء ومناجاته، واذكره آناء الليل وأطراف النهار، وداوم على طرق بابه وسيفتح أمامك، وتفتح مغاليقه وأقفاله والرِّتاج..