تحدث بيان الجمعية المغربية لأساتذة التربية الاسلامية عن التضييق المتكرر على المادة لو تفضلتم بتوضيح طبيعة هذا التضييق؟
المادة كانت سابقا مدمجة مع اللغة العربية تدريسا وشبه مغيبة تقويما. ومنذ أن أصبحت مستقلة بنفسها لها أساتذتها ومفتشوها وغلافها الزمني ومعاملها (رغم ضعفهما) وهي تتعرض بين الفينة والأخرى لاشكال مختلفة من التضييق.
ففي سنة 1992 وعلى إثر اجتماعات وورشات الإصلاح المنظمة بالأكاديميات الجهوية آنذاك. حاولت بعض اللجن في جهات محدودة إقصاء (إلغاء) مادة التربية الإسلامية من السلك الثانوي (التأهيلي حاليا) من خلال توصيات مضمنة في تقاريرها النهائية مع تحفظ بعض مفتشي المادة في التوقيع على التقرير، مما كان سببا مباشرا في تأسيس جمعية مهنية متخصصة وهي جمعيتنا المباركة (الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية) تدافع عن المادة و تندد بمثل هذه القرارات او المضايقات وبعد صدور بيان شديد اللهجة من الجمعية تم اصدار بلاغ رسمي من الوزارة آنذاك (نشر في بعض الصحف الوطنية) يؤكد ابقاء المادة ضمن المواد المدرسة بالثانوي.
وبعد صدور الميثاق وفي إطار اعداد الوثائق المرتبطة به من طرف اللجن البيسلكية وإعداد الهندسة البيداغوجية للسلك الثانوي (التأهيلي حاليا) طفا على السطح وبشكل اعنف مسألة حذف المادة من بعض الشعب وتقليص غلافها الزمني من شعب اخرى وتحركت الجمعية سواء من خلال بعض اعضائها بتلك اللجن في الاجتماعات والمناقشة او من خلال اتصال مكتبها الوطني بالجهات الرسمية (الوزارة واللجنة الدائمة للمناهج وغيرهما) مما أسفر في النهاية عن الوضعية الحالية للمادة.
وفي الوقت الذي انصبت الجمعية بحكم طبيعتها المهنية على تكوين الأساتذة في مجالي تدريسية المادة وتقويمها مواكبة للمستجدات التربوية والمنهجية /الديداكتيكية. بدأت أقلام وبرزت خرجات، أقل ما يقال عنها أنها بعيدة عن منطق تربوي أو علمي أو سياق اجتماعي. وأنها تنم عن نية مبيتة وسبق إصرار ليس فقط لضرب المادة بل لطمس هوية الشعب المغربي والمس بثوابته.. علما أن المناهج والكتب المدرسة تخضع لمسطرة وإجراءات إقرار واعتماد جد صارمة ومحكمة من لدن لجن متعددة (علمية متخصصة؛ وفنية تقنية ولجنة القيم…) تابعة لوزارة التربية الوطنية. واثارة الفتن وغرس الشقاق والاختلاف المذموم بين التلاميذ واساتذة المواد الدراسية..
وبعد دعوة ملك البلاد في خطب متعددة إلى ضرورة ايلاء المادة وتطوير مناهجها وطرق تدريسها وبعد اعلان مدينة العيون وما أسفر عن ذلك من اصدار منهاج جديد يعتمد المداخل بدل المكونات او الوحدات انخراطت الجمعية بكافة اطرها وهياكلها في شرح وتقويم المنهاج الجديد والوقوف على اكراهات التنزيل واقتراح سيناريوهات التنزيل السليم. طفت على السطح فتنة التسمية (استبدال تسمية التربية الإسلامية بالتربية الدينية) مما دفع بالجمعية إلى التصدي لهذه التسمية بكل الوسائل المتاحة والاتصال بأعلى الجهات المعنية في البلاد مما أسفر عن التراجع عن التسمية المقترحة بل المفروضة.
وآخر المضايقات أو المشاكل ما يتعلق بالمذكرة الأخيرة المرتبطة بالتقويم وما ورد فيها من حذف المادة من التقويم في مراحل معينة في السنة الختامية بكل من السلك الابتدائي والسلك الثانوي الإعدادي.
أثارت دورية وزارة التربية الوطنية الأخيرة بخصوص حذف التربية الاسلامية من الامتحانات الاشهادية، كيف تفاعلتم منذ البداية مع الدورية وما هي مخرجات تواصلكم مع الوزارة؟
باعتبارنا جمعية مهنية تربوية تم التفاعل مع الموضوع بكل حكمة وروية من خلال الخطوات التالية:
عقد اجتماع طارئ لأعضاء المكتب الوطني لتدارس الموضوع من جوانب متعددة؛ والاجراءات الممكن اتخاذها.
الاتصال بالوزارة وبالخصوص مديرية المناهج للاستفسار عن حقيقة الموضوع وطلب توضيحات بشأنه من جهة؛ وللتنبيه والتحذير من خطورة الأمر وتبعاته المحتملة من جهة ثانية.
التواصل مع بعض مفتشي المادة خاصة المنسقين الجهويين من منطلق مهامهم بالأكاديميات الجهوية وعلاقتهم الرسمية بالمفتشية العامة للشؤون التربوية بالوزارة من أجل طلب توضيحات حول الموضوع. وعقد اجتماعات تنسيقية لمناقشة سيناريوهات تبعات الاقدام على هذا الإجراء غير التربوي ولا القانوني في هذه الظرفية بالذات. وتوحيد المواقف والخطوات الممكن انباعها
التواصل مع كل هياكل الجمعية (أعضاء المكتب الوطني اعضاء مكاتب الفروع اعضاء المكاتب الجهوية. ومنخرطي الجمعية في كل ربوع المملكة.
وكانت من مخرجات هذه الاتصالات ان تراجعت الوزارة عن تلك المذكرة واصدرت مذكرة جديدة احتفظ فيها على مكانة المادة بالسلكين الابتدائي والثانوي تدريسا وتقويما.
ولا تفوتني الفرصة هنا بأن أنوه بكل أعضاء الجمعية أساتذة ومفتشين؛ وبكل الغيورين من داخل الجمعية وخارجها على هبتهتم واهتمامهم ومتابعتهم لهذا الملف من الوهلة الأولى إلى أن أعيدت الأمور إلى نصابها.
ما هي رسالتكم لعموم الفاعلين والمدافعين عن مادة التربية الإسلامية لتقوية دور المادة في تنشئة وتربية المتمدرسين على قيم الهوية الإسلامية؟
أؤكد في بداية هذا السؤال أن التربية الإسلامية لا تنحصر في مادة دراسية؛ بل هي أشمل وأعمق من ذلك، فهي مفهوم واسع يشمل تعاليم الدين الإسلامي، فهي تستوعب الحياة كلها وتستمر باستمرارها؛ وهي بذلك لا تقتصر على المدرسين بل تتجاوزهم لتشمل الآباء والمربين والعلماء كل أفراد المجتمع، فهي مسؤولية الجميع؛ باعتبار تدينهم بدين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده.
والتربية الإسلامية تمثل النظام التربوي الذي يعكس فلسفة الدولة المغربية المسلمة كما ينص على ذلك دستورها. ودعني أحرر مسألة مهمة، وهي موجهة لمن يريد إقصاء المادة من الحياة العامة للمجتمع المغربي: التربية الإسلامية كانت ولا تزال عنوانا للعلم والتقدم وحاملة للقيم الإسلامية الباعثة على التميز والنبوغ والتسامح والاعتراف بالآخر المخالف الدين الإسلامي من باب “لا إكراه في الدين” البعيدة عن كل تطرف عقدي أو فكري؛ وهي صمام أمان للمجتمع بكل فئاته وأطيافه؛ بما تنشر من قيم المحبة والأخوة الإنسانية.
وبهذا فواجب كل مسلم ومسلمة العمل على تنشئة النشء تنشئة إسلامية قوامها الاعتدال والوسطية، وتنقية الوعي الفردي والجمعي من كل ما يلصق بها من تهم باطلة ودعاوى مغرضة بعيدة عن روح الإسلام السمحة.
الرسالة واضحة مزيد من:
ــ الوحدة
ــ الصمود
ــ الحذر
ــ التعبئة
من أجل الحفاظ على هوية هذا البلد؛ وثوابته الدينية والوطنية تحقيقا للأمن الروحي والاجتماعي لهذا البلد الأمين بكل مكوناته وتحقيقا للتنمية المنشودة.
واستغل المناسبة هنا لأشكر كل الفاعلين التربويين والعلماء والإعلاميين والمدونين وكافة الغيورين على التربية الإسلامية مفهوما ومادة؛ والذين أبانوا على جاهزية كبيرة للدفاع عن مادة التربة الإسلامية أحد قلاع الهوية الإسلامية بالمجتمع المغربي المسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*رئيس الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية