حتى قبل أن تتشكل حكومة أخنوش، التي يقودها حزب إداري ذو مرجعية ليبرالية، كشر عدد من المتبنين للمنظومة العلمانية عن أنيابهم، معبرين عن فرحهم بزوال الحكومة السابقة، مطالبين بدولة لا دينية على أنقاض الدولة الإسلامية المحافظة.
ولا ينقضي عجبي من درجة استغباء مثل هؤلاء الفاعلين للمواطن المغربي، حين يرفعون مثل هكذا شعارات (الدولة الإسلامية/الدولة الليبرالية..)، وكأن الحزب الذي سيقود الحكومة اليوم لم يكن يمتلك أهم الحقائب في ولايتي بنكيران والعثماني، وأن الحكومات السابقة كانت تطبق أحكام الفقه المالكي في البيوع والمعاملات والجنايات، وانتهجت سياسة منع المعاملات الربوية وبيع الخمور والسجائر والمخدرات، وحاصرت البغاء وأغلقت أوكار الدعارة.. ووسعت من الحصص الزمنية المخصصة لمادة التربية الإسلامية، وأقرت التعريب في التعليم، ومنحت القيمين الدينيين حرية التعبير؛ ومتعتهم بحقوقهم التي تضمن لهم العيش الكريم..!!
فمن المفترض في الفاعل السياسي أن يحترم عقول المتابعين، ويبتعد قدر الإمكان عن الكذب والتهويل، ويعلم أكثر من غيره صلاحيات الحكومة في المغرب، ومن يحمي الدين والجانب المحافظ للدولة، لكن يبدو أن بعض السياسيين والحقوقيين والجمعويين بات ليدهم، أكثر من السابق، حماس كبير للإجهاز على الجانب المحافظ للمجتمع والدولة.
فخلال مشاورات تشكيل الحكومة، قال مصطفى بنعلي، الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية، المنشق عن حزب التقدم والاشتراكية، أمام عزيز أخنوش “إن المغرب ينتقل من مشروع دولة إسلامية إلى مشروع دولة ليبرالية”.
ولم ينتظر مصطفى وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، المشارك في الحكومة، طويلا ليصرح بدوره أنه “بعد خروج الإسلاميين يجب تبني فكر حداثي يناقض الفكر المحافظ”.
الخارجات عن القانون لم يفلتن الفرصة أيضا ليطالبن من البرلمانيين الجدد الدفاع عن الحريات الفردية؛ وإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي، الذي يعاقب على العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، والفصول الأخرى التي تجرم العلاقات الشاذة في الفضاءات الخاصة.
الطبيب شفيق الشرايبي، المدافع عن الإجهاض، بارك لحزبي الحمامة والجرار الفوز في الانتخابات، دون الإشارة لحزب الاستقلال، وأعلن أنه بانتظارهم لفتح مجموعة من الملفات، أبرزها ملف الحريات الفردية في المغرب، وإخراج مشروع القانون المتعلق بالإجهاض الذي اعتمده المجلس الحكومي في 2016 وظل خامدا في البرلمان.
وقبل يومين، ومن أمام مقر البلمان، هاجمت عضو من حزب النهج الديمقراطي مادة التربية الإسلامية، متهمة إياها بالشحن ولا شيء آخر، وعدم تمرير القيم الكونية والحقوقية العامة.
الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب طالبت بدورها رئيس الحكومة بإقرار المساواة بين الجنسين وإلغاء التعدد ومراجعة نظام الإرث وتقنين الإجهاض.
فمن خلال هذه التصريحات وغيرها كثير يبدو أن المعركة حول القيم والهوية والمرجعية الإسلامية المنصوص عليها دستوريا، ستكون شرسة خلال ولاية أخنوش، خاصة وأن الأحزاب التي تشكل المعارضة في البرلمان جلها تدافع عن مطالب التيار اللاديني نفسها، شأنها في ذلك شأن الأغلبية الحكومية، باستثناء حزب الاستقلال الذي عبّر في محطات سابقة عن رفضه لبعض تلك المطالب.
ما ينذر في المستقبل القريب بأن المعارضة ستنتقل من البرلمان إلى الشارع، وأن وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، ستبقى السبيل الوحيد لتعبير المواطنين عن رفضهم لمطالب التيار العلماني بالمغرب.