الحرب الفرانكفونية على اللغة العربية (أ.س)

يقول الجنرال والمستشرق بول مارتي، في كتابه “مغرب الغد”: “كل تعليم عربي وكل تدخل من قبل الفقيه وكل ظاهرة إسلامية يجب محاربتها بصرامة تامة، وبذلك نجذب إلينا الأطفال عن طريق مدارسنا وحدها”..
تعتبر اللغة بصفة عامة ركيزة أساسية في البناء الحضاري للأمم، على اختلاف الألسن والثقافات والجغرافيا والتاريخ، لما تؤديه من دور مهم في بناء الحضارات وتعزيز التمكين والإنماء والازدهار في كل المجالات، فلا يمكن أن تجد أمة حققت التفوق والريادة وهي تعيش حالة من الانفصام بين لغتها وصيرورة تطورها.
كما أن اللغة تعتبر انعكاسا حقيقيا لتقدّم الأمم أو تخلّفها، ولا يمكن ذلك إلا بتداولها وإحيائها وتطويرها، وإلا فسيكون مصيرها الموت والدفن في مقابر النسيان والتخلف الحضاري، والتبعية للغرب الإمبريالي الذي فرض سطوة لغته على الكثير من الشعوب بقوة الحديد والنار، لكن الشعوب التي تحررت من الاحتلال جملة واحدة وأحيت لغتها وبنت حضارتها على مكوناتها الثقافية الصافية من الغثاء الاستعماري نجحت في تحقيق التقدم واللحاق بمستعمر الأمس إلى حد كبير.
وفي محاولة من فرنسا لكبح هذا الانعتاق من ربقة ثقافتها وسطوة دراعها الفرنكفوني الذي تطور من مصطلح جغرافي صرف إلى سلاح تدميري لثقافة الشعوب، حيث اكتسبت الفرنكوفونيَّة حمولتها الإيديولوجية بعد منتصف القرن الماضي بالتزامن مع الخروج العسكري من دول الاحتلال، وتهدف فلسفتها بالخصوص إلى الحفاظ على قيم فرنسا في مستعمراتها القديمة، من خلال الاعتماد على لغة موليير كثقافة مشتركة في هذا الكيان الفرنكفوني.
وتسعى فرنسا من خلال رجالها في مستعمرات الأمس، وعبر القناة الفرنكوفونية إلى الحفاظ أولا على مكانة لغتها العجوز، وتكريس هيمنتها على الشعوب، وتهميش ثقافات واللغات، فمن سمات الغزو الفرنسي للشعوب، محاربته الشرسة للغات المحلية، وحظر تدريسها أو التعامل بها في المحافل الرسمية، ويظهر هذا الحقد الفرنسي على لغات الشعوب بما فيها العربية، فيما قاله المستشرق الفرنسي وليام مارسي المهتم خصوصاً باللغة الأمازيغية والعربية واللهجة المغربية: “إن اللغة العربية لغة المحكومين لا بد أن تختفي، فتترك مجالاً للغة الحاكمين، الفرنسية أكثر وضوحاً ونجاعة، والأقدر على تسيير الانتقال إلى الحضارة الحديثة”.
ويقول الجنرال والمستشرق بول مارتي، في كتابه “مغرب الغد”: “كل تعليم عربي وكل تدخل من قبل الفقيه وكل ظاهرة إسلامية يجب محاربتها بصرامة تامة، وبذلك نجذب إلينا الأطفال عن طريق مدارسنا وحدها”.
فالفرنكوفونيَّة مؤسسة إمبريالية ولها أدرع في مجالات مختلفة، معتمدة في بسط سيطرتها على أفراد وكيانات ومجموعات كثيرة، يحملون عقلية ومشاريع مستعمر الأمس، وهي جهاز لتحقيق استمراريَّة هيمنة الإمبريالية الفرنسية، وتأمين سيطرة فرنسا على الشعوب الناطقة بلغتها، وفي ذلك يقول الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي: “إنَّ الفرنكوفونيَّة تشكِّل حجر الارتكاز في الاستراتيجيَّة الاستعماريَّة الجديدة، فبحكم تجربتنا كمستعمرين، فإنَّ الفرنكوفونيَّة بالنِّسبة لنا تتوافق بشكلٍ طبيعيٍّ مع بحيرة السَّلام، والسوق المشتركة: المحصلة التي تعني انبعاث الإمبراطوريَّة الفرنسيَّة”.
إن الوضع الاعتباري الذي تركته فرنسا لأبنائها من المغاربة الفرانكفونين والنخبة “المفَرْنَسَة”، جعلها صاحبة الحظ الأوفر في كلِّ المجالات الثقافية والسياسية والإدارية، بالإضافة إلى أنها نخبة تعيش بعيدة عن واقع الأمة الديني والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وحاملة للواء فرض الثقافة الفرنسية ولغتها العجوز التي ينتمون إليها، معتقدين أنه لا ثقافة ولا تاريخ خارج ثقافة فرنسا ولغتها.
فعلى الوطنيين الغيورين على البلاد والذين يريدون إرجاع المغرب لهويته ولغته العربية وضع حد لهذه الطغمة المستلبة التي تغش الوطن والمواطنين، وكبح جماحها لأنها من أكبر التحديات والمعيقات للتنمية الوطنية الشاملة والمستدامة، لأن هذه الأقلية هي المتحكمة في مقاليد الأمور، وفي اتخاذ القرارات الكبرى سواء السياسية أو الثقافية أو التربوية التعليمية، فهم يقدمون هوى فرنسا على مرتكزات الأمة المغربية، ويمثلون يد مستعمر الأمس التي تبطش بمكونات الأمة وتحافظ على مكتسبات الاحتلال بعد أكثر من 60 سنة من الاستقلال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *