ماذا قال القرآن الكريم عن السنة -2-

 

الأمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم وبيان أنها من طاعة الله -تابع-

مر في الحلقة السابقة الحديث عن دلالة قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) [المائدة: 92]. على وجوب اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ونستمر في عرض الآيات في نفس المعنى:

* الآية الثانية: قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء:59].

ففي هذه الآية أمر الله تعالى بطاعته وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأولي الأمر، ” وطاعة الله امتثال أوامره ونواهيه طبقا لما أوحى به في كتابه. وطاعة الرسول امتثال أمره ونهيه وهو بين ظهراني المسلمين، والتزام سنته والسير على طريقته بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى”([1])

فهذه الآية صريحة في لزوم تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم في حياته والتحاكم إلى سنته بعد مماته، ولو لم يرد في كتاب الله في هذا الموضوع إلا هذه الآية لكانت كافية شافية في تقرير هذا الحكم فكيف وهي مشفوعة بعشرات النصوص كما سبق.

والذي يتأمل الآية يجد فعل الطاعة قد تكرر مرتين في الله والرسول دون أولي الأمر وفي ذلك فائدة عظيمة نبه عليها كثير ن العلماء، هي أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم تكون استقلالا بخلاف طاعة أولي الأمر التي لا تون إلا تبعا.

قال العلامة المكي الناصري:” ويلاحظ في تعبير القرآن الكريم أنه استعمل الأمر بالطاعة قبل ورود كلمة (الله) (أطيعوا الله)، لأن الأمر بطاعة الله مستقل بنفسه كل الاستقلال، كما استعمل نفس الأمر بالطاعة قبل ورود كلمة (الرسول) _ (وأطيعوا الرسول) حيث إن الأمر بطاعة الرسول مستقل بنفسه أيضا، وإن كانت طاعة الرسول هي في نهاية الأمر وحقيقته طاعة لمن أرسله وهو الله، وإن كان الرسول نفسه أول مطيع لله وملتزم لأمره بحكم رسالته وعصمته.

أما طاعة (أولي الأمر) فقد ربطها القرآن بطاعة الرسول نفسه ربطا وثيقا محكما، وذلك بواسطة واو العطف، وجعلها بحكم هذا الربط مندرجة تحت طاعته، إذ إنها بمنزلة الفرع من الأصل، والطاعة الأصلية طاعة الله ورسوله، وفي إطارها، وفي دائرة حدودها تتم طاعة أولي الأمر، الذين هم خلفاء الرسول بالنسبة لأمته وملته” ([2]).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال:” فَالرَّسُولُ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ وَمَنْ سِوَى الرَّسُولِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْمُلُوكِ إنَّمَا تَجِبُ طَاعَتُهُمْ إذَا كَانَتْ طَاعَتُهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ وَهُمْ إذَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِطَاعَتِهِمْ فَطَاعَتُهُمْ دَاخِلَةٌ فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . فَلَمْ يَقُلْ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأَطِيعُوا أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ؛ بَلْ جَعَلَ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ دَاخِلَةً فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ؛ وَطَاعَةَ الرَّسُولِ طَاعَةً لِلَّهِ وَأَعَادَ الْفِعْلَ فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ دُونَ طَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ؛ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ إذَا أَمَرَهُ الرَّسُولُ بِأَمْرِ أَنْ يَنْظُرَ هَلْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ أُولِي الْأَمْرِ فَإِنَّهُمْ قَدْ يَأْمُرُونَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَطَاعَهُمْ مُطِيعًا لِلَّهِ بَلْ لَا بُدَّ فِيمَا يَأْمُرُونَ بِهِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ وَيُنْظَرَ هَلْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْ لَا سَوَاءٌ كَانَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْأُمَرَاءِ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا تَقْلِيدُ الْعُلَمَاءِ وَطَاعَةُ أُمَرَاءِ السَّرَايَا وَغَيْرُ…” ([3]).

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله:” فَأَمَرَ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَأَعَادَ الْفِعْلَ إعْلَامًا بِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ تَجِبُ اسْتِقْلَالًا مِنْ غَيْرِ عَرْضِ مَا أَمَرَ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ، بَلْ إذَا أَمَرَ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مَا أَمَرَ بِهِ فِي الْكِتَابِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ، فَإِنَّهُ أُوتِيَ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ اسْتِقْلَالًا، بَلْ حَذَفَ الْفِعْلَ وَجَعَلَ طَاعَتَهُمْ فِي ضِمْنِ طَاعَةِ الرَّسُولِ؛ إيذَانًا بِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُطَاعُونَ تَبَعًا لِطَاعَةِ الرَّسُولِ، فَمَنْ أَمَرَ مِنْهُمْ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ، وَمَنْ أَمَرَ بِخِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَلَا سَمْعَ لَهُ وَلَا طَاعَةَ كَمَا صَحَّ عَنْهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ قَالَ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» وَقَالَ: «إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» وَقَالَ فِي وُلَاةِ الْأُمُورِ: «مَنْ أَمَرَكُمْ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلَا سَمْعَ لَهُ وَلَا طَاعَةَ».”([4])

* الآية الثالثة: قوله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) [النساء:80].

هذه من أعظم الأدلة الدالة على وجوب تحيكم السنة النبوية وفيها “إعذارٌ من الله إلى خلقه في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول الله جل ذكره لهم: من يطع منكم، أيها الناس، رسولي -محمدًا- إليكم فقد أطاعني بطاعته إياه، فاسمعوا قوله وأطيعوا أمرَه، فإنه مهما يأمركم به من شيء فمن أمري يأمركم، وما نهاكم عنه من شيء فعن نهيي، فلا يقولنَّ أحدكم: “إنما محمد بشر مثلنا يريد أن يتفضَّل علينا”([5])

قال ابن جزي: “هذه الآية من فضائل رسول الله صلّى الله عليه وعلى اله وسلّم، وإنما كانت طاعته كطاعة الله لأنه يأمر وينهى عن الله: ([6])

يتبع بحول الله

 —————————————-

 ([1]) – التيسير في أحاديث التفسير (1/346)

([2]) – التيسير في أحاديث التفسير (1/347)

([3]) – مجموع الفتاوى (10/266-267)

([4]) – إعلام الموقعين (2/89-90) تحقيق الشيخ مشهور. طبعة ابن الجوزي/السعودية.

([5]) – جامع البيان عن تأويل القرآن للطبري، (7/245-246) تحقيق التركي.

([6]) – التسهيل لعلوم التنزيل (2ـ/200).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *