عهارة فـكـر عبد السلام شفيق

عنوانٌ لقصيدة من شعر التفعلة كان الأستاذ علال الفاسي رحمه الله، نشرها في جريدة “العلم” أواخر الستينيات فيما أذكر، لتسفيه بعض الدعوات.. التي تنكرت أيامئذ لمغربيّتها وأصولها الإسلامية؛ انسياقا مع موجة الشيوعية البائدة التي كان قد انخدع بسرابها أنفار من ذوي الأهواء و”العاهات النفسية” كما كان يحبّ أن يسميهم عباس محمود العقاد في بعض كتبه الشهيرة: “الشيوعية، مذهب ذوي العاهات النفسيّة” 1953م.

وأستعير اليوم ذات العنوان: “عهَارة فِكْر”، لانسحابه على شبه الحالة المرضيَّة التي قاومها الأستاذ علال الفاسي مقاومة الأبطال؛ والتي لا تزال تجتَرُّها وتعاني من أعراضها، شرذمة معزولة اجتماعيا أبت إلاّ أن تنحو منحًى مغايرًا للثوابت الوطنية!.. شرذمة لا تفتأ ترفع راية الكفر والفسوق والعصيان، تارة بالطعن الصريح في الكتاب والسنة.. وأخرى بانتهاك حرمة الشهر المبارك الكريم، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان!.. بالإعلان عن تنظيم عملية أكل جماعية لرمضان في واضحة النهار، في وقاحة متناهية، وبطريقة مستفزّة لمشاعر الشعب المغربي المسلم، ومرّة في المطالبة بإلغاء قانون تجريم بيع الخمور للمسلمين بدعوى (الحرية الفردية) المفترى عليها من قبل هؤلاء المفترين، الذين ما فتئوا بين الحين والآخر، يفصحون عن مكنون خبيئتهم، بما تنطق به ألسنتهم من كلام لا يحتاج إلى تفسير أو تأويل أو تعليل!.. “فالإقرار سيِّد الأدلة “قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ” آل عمران نت الآية 118.
هم أولاء اليوم يعلنون -في تحدٍّ سافر لقيم المجتمع المغربي المسلم- ولاءهم وتعاطفهم ودعمهم اللاّمشروط للمنصّرين الذين طردتهم الدولة مؤخّرا على خلفية أعمالهم التنصيرية التي ضبطوا متلبسين بها، في جهات مختلفة بأرض الوطن، والتي كان ضحيّتها أطفال مغاربة قاصرون!..
لن نسأل دعاة الحرية المتسيّبة عن سرِّ تحدِّيهم للإجماع الوطني في قضية تتعلق أساسا بالسيادة الوطنية، وهوية الوطن الإسلامية، ولن نسألهم عن سرِّ تعاطفهم وتطوعهم للدفاع عن خلايا التنصير ببلادنا، كما أننا لن نسألهم عن سكوتهم المخجل عن أطفالنا ضحايا التنصير المقنّع!.. فالجواب واضح بيّن؛ ذلك أن المشروع التدميري لكلا الطرفين المنصرين والموالين لهم: واحد، وإن اختلفت الصّور والوسائل والأدوات والمواقف والأدوار، فالغاية واحدة، والمستهدف: الهوية الوطنية، والأمن الروحيّ والاجتماعي للمواطنين، بخلق أقلية لا دينية نصرانية على ثرى أرضنا الطاهر، متمسحة بالأغيار، تدين بولائها لهم!
وجاءت المبادرة الموفقة للدولة، في طرد المنصرين، ضربة موجعة وفضيحة مروّعة لدعاة الإباحيّة والحرية اللاّمسؤولة! لتقاطع مخططهم التخريبي في خطوطه العريضة مع المخطط الصليبي لحلفاء المنصرين!
في سياق دفاعهم عن التنصير، قام أحدهم بإجراء مقارنة غبيّة بين غيرة المغاربة على سيدنا عيسى عليه السلام حين وصفه شاذ من شواذ الغرب بما لا يليق بمقام الأنبياء عليهم السلام، وبين موقف المغاربة الرافضين للتنصير داخل المملكة، حيث اعتبر عدم السماح للمنصرين بممارسة نشاطهم التنصيري على أرض المغرب ينافي الغيرة على المسيح، وهي مقارنة مقلوبة.. ذلك أن غيرتنا على سيدنا عيسى عليه السلام لا تنافي الدفاع عن حماية ثوابتنا الوطنية من الدخلاء الذين يشوهون سيرة سيدنا عيسى عليه السلام بممارسة أعمال متنافية مع تعاليمه السمحة، فهو عليه السلام لم يكن يبلغ تعاليم ربه باعتماد أساليب غير قانونية ولا أخلاقية تسيء إلى المدعوين في موطنهم الأصيل، لم يبلغ رسالة ربه عن طريق الدسيسة والنفاق والخداع، على غرار صنيع المنصرين.. بل بلَّغ المسيح عليه السلام رسالة الله بمنتهى الصدق والوضوح والإقناع فاحتل سويداء القلوب.
واعتبارا للأهداف المشتركة، والعلاقات الحميمة بين المنصرين والمناصرين لهم، كتب بعضهم في مجلة (وطنية!) متخصصة في نشر الإفك والبهتان. وفي محاولة منه بائسة لإضفاء طابع الشرعية على نشاط المنصرين، مهَّد لمحاولته تلك بعبارة مائعة لا تليق بقدسية الآية الكريمة التي حاول الاستشهاد بها في سياق دفاعه الفاشل عن موكليه من دعاة التنصير! والآية الكريمة “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ..”.
وقد جهل أو تجاهل أن المنصرين الذين يدافع باطلا عنهم استعملوا كل أنواع الإكراه المتاحة لديهم، من إغواء.. وتغرير بأطفال قاصرين مستغلين فقرهم وقصور نضجهم الفكري لاغتيال عقيدتهم الإسلامية في وطنهم المسلم وأكراههم على اعتناق عقيدة نصرانية عبر تقديم خدمات تطوعية ظاهرها الأعمال الخيرية، وباطنها انتهاك الكرامة الإنسانية البريئة!.. أَوَ ليس ذلك هو عين الإكراه في الدين، وأبشع الصور لمصادرة حريّة الاعتقاد؟!
ومن المفارقات الفاضحة أنك تجد من يبكي على فيلق من المنصرين.. ثبت تورطهم في خيانة وطنية كبرى تمسّ سيادتنا الوطنية، وهويتنا الإسلامية، وطفولتنا البريئة، وهو بكاء وصل ببعضهم -حسب قوله-: إلى حدِّ الخشية على حرية المعتقد (=اللادينية)!.. أن تصبح في مهب الريح! في الوقت الذي تراه يدير ظهره للثوابت الوطنية، ولبراءة طفولتنا المغتالة والذي يبدو تجاهها عصي الدمع، لم يرق عليها دمعة واحدة! فالعين غارت وجفّت من فرط البكاء على المنصرين المطرودين!..
الأمر هنا يتعلق بخلطة تدعى بـ: (الديمقراطيين المغاربة) كما وصفوا أنفسهم في خرجة جديدة تزامنت مع فضيحة التنصير الأخيرة؛ وكأنهم كانوا على موعد مع الحدث كحامية احتياطية تدافع من الخلف عن جيش المنصرين!.. عجبا!.. أليس في فرض عقيدة نصرانية في بلد مسلم على أطفال مسلمين أصلا، ضرب فاضح لحرية المعتقد، وانتهاك مفضوح للسيادة الوطنية، فمآمرة اغتيال -خسيسة- على هوية الوطن الإسلامية ديمقراطية يحاول البعض من خلالها الدفاع عن التنصير في مملكتنا المحروسة، وفي ذات الوقت يتنكر لخصوصياتنا الوطنية، ومثلنا الخالدة باسم جلطة من المفردات الملوثَّة: الحداثة/الكونية/الأممية (..) الوهمية المنهارة..
تبقى ديمقراطية لقيطة لا يمكن تصورها إلاّ في أحلام السفهاء الذين تآمروا قديما وحديثا على هوية الوطن الإسلامية التي تمثِّل جهاز مناعة لصيانة النسيج الوحدوي للشعب المغربي المسلم وملكيته المؤسسة على إمارة المؤمنين رمز السيادة الوطنية.
ومع قناعتنا الراسخة أن هوية الوطن الإسلامية محصّنة من أي اختراق: لا ديني/نصراني، أو مذهبيِّ.. فإن هذا الاطمئنان على هويته الوطنية الإسلامية، لا يدفعنا إلى الوقوف موقف التهوين والإعراض أو اللامبالاة تجاه مجموعة من الخطابات الممجوجة التي تغرد خارج الواقع، وإن كنا نعلم أن لا أحد من المغاربة يريد الاستماع إليها والتي جاء خطابها الأخير مناصرا للنصرانية على طول الخط وبدون تحفظ!. مندّدا بقرار الطرد الحكومي لدعاة التنصير لتصل عهارة الفكر بأصحاب هذه الخطابات المبتذلة إلى الاستهانة بإحدى أقدس المقدسات الوطنية/الهوية الإسلامية للوطن، بتساؤلهم المريب عن مدى قيمة صدور قرار الطرد للمنصرين.. في عصر الحداثة والعولمة وحرية المعتقد المثخنة بخمرة الكفر والإلحاد والتبعية الببغائية في النقل والمحاكاة والتقليد!.. في حين أنها لم تُثِر أي تساؤل حول طبيعة القرار الحكومي في علاقته بموضوع السيادة الوطنية والهوية الإسلامية للوطن لسبب واضح، وتفسير الواضحات من الفاضحات!
الأمر الذي بات يفرض علينا أن نطرح أكثر من علامة استفهام حول نوعية وخلفية هذه الخطابات الناشزة: “فإن وراء الأكمة ما وراءها”، والتي تمعن في استفزاز مشاعر الشعب المغربي المسلم في عقر داره مع إيماننا العميق الأعمق بصدق المقولة المأثورة عن عبد المطلب التي أطلقها في وجه الزحف الصليبي يوم أراد الإساءة إلى الكعبة المشرفة: “إن للبيت ربًّا يحميه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *