إنهم يرفضون التمييز بين “الحلال والحرام” في المدونة نبيل غزال

 

في الوقت الذي صمتت فيه كثير من المنابر الإعلامية، ولازالت صامتة، عن ضعف التفاعل الحكومي مع الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب، ومع لهيب الأسعار الذي تجاوز إحراق الجيوب إلى تشتيت الأسر والدفع بفئة عريضة من المواطنين من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة والمعدمة، وارتفاع معدلات البطالة..

في هذا الوقت الذي يحتاج فيه المواطن المغربي، حاجة ماسة، إلى نخب سياسية مسؤولة، وإلى مثقفين ومفكرين لهم قيم ومبادئ، يكشفون خطر الوضع الحالي وما يمكن أن يؤول إليه، وإلى إعلام نزيه يسلط الضوء عن معاناة المغربي ويوصل مطالبه..

في هذا الوقت الحجر؛ غاب جميع من تم ذكرهم تقريبا عن الساحة، لكنهم استفاقوا قبل يومين من سباتهم العميق الذي دام أكثر من سنتين، واستعادوا نشاطهم المعهود، لا ليدافعوا عن مصالح هذا الشعب بل ليستنكروا بشدة ربط الزلزال بالذنوب والمعاصي!! وليرفعوا أصواتهم للمطالبة بمدونة علمانية تدعي الدفاع عن “حق المرأة” وترفض إقحام الدين في أي من مجالات الحياة!!

فذات الفاعلين وذات المنابر نصبوا أنفسهم، مباشرة بعد بلاغ الديوان الملكي المتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، مبشرينَ بمدونة حداثية لا تعير اهتماما للدين والشريعة الإسلامية، وتقطع بالمرة مع الفقه المالكي وما يأتي منه (خاصة المادة 400).

متغافلين أو متناسين أن الاجتهاد سواء أكان تشريعيا أو قضائيا يجب ألا يخرج، وفق منطوق الدستور، عن إطار الشريعة الإسلامية، وألا يحل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله.

وهذا ما أشار إليه بالضبط محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في تصريح له عقب أول اجتماع للجنة التي عينها الملك، حيث قال بأن مراجعة وتطوير المدونة سيكون في حدود ما تسمح به الإمكانيات والثوابت الوطنية، والاقتراحات يجب أن يكون من شأنها أن ترفع من قيمة الأسرة المغربية وأن تتبنى ثوابت الأمة والمبادئ الدستورية للمملكة المغربية.

كما وجه عبد النباوي بوضوح بأن أسس الاشتغال التي سيعملون عليها واضحة من خلال خطاب العرش 2022، في إشارة إلى ما سبق وأكده الملك في الخطاب المشار إليه بأن المدونة ليست للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها، فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال.

وشدد الملك بصفته أميرا للمؤمنين، أنه لن يحل ما حرم الله، ولن يحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية.

المتربصون بما ما تبقى معمولا به من الشريعة الإسلامية في مجال الأسرة يتجاهلون عمدا التطرق لموضوع الحلال والحرام، وإن كان قد نصَّ عليه الملك بوضوح، لأن همهم الوحيد هو إخراج المدونة في ثوب علماني لا صلة له بالدين، ولا يهمهم في كل هذا مصلحة الأسرة وما آل إليه حالها بعد التعديلات التي طالت المدونة قبل 20 سنة، من انخفاض نسب الزواج وارتفاع معدلات الطلاق وما ترتب عن ذلك من معضلات مست بالدرجة الأولى الأطفال وغيرهم من أفراد المجتمع المغربي بالتبع.

يجب أن نكون واضحين في تحليل الواقع الذي نعيشه اليوم، فيوجد بيننا من يرفض بالمرة حكم الله فيما شَجَر بيننا، ويعلنون بوجه مكشوف أنهم يرفضون ما ورد في القرآن الكريم، بل لا يتوانون في وصف أحكامه وتشريعاته بالخرافة وأساطير الأولين، من أجل هذا فالخلاف كان وسيبقى بين من يعتقد بمركزية الله في الحكم والتشريع، سواء تعلق الأمر بأحكام الأسرة أو الزلزال أو غيره من الجوائح والكوارث، وبين من يلغي الخالق الرازق تماما من التأثير في الكون، ويحول دون تنزيل أحكامه في كافة مناحي الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *