من خلال دراسة بنية واختصاصات الكونغرس الأمريكي يظهر جليا أن للأخير يدا طولى في السياسة الخارجية الأمريكية، ومن ثَم التأثير على عدد من البلدان والتدخل في شؤونها الداخلية.
والآلية التي يملكها الكونغرس في هذا المجال هو ربط العقوبات الأمريكية في حق الدول بالتهم التي يوجهها لها الكونغرس في ملف انتهاكات حقوق الإنسان. إذ بمجرد ما يقدم الكونغرس تقريرا عن انتهاكات حقوق الإنسان بدولة من الدول إلا ويذيله بتوصيات ملزمة لرئيس الدولة في باب العقوبات الواجب اتخذها في حق الدولة المنتهكة لحقوق الإنسان.
وباب الأسرة أي حقوق الطفل والمرأة والرجل بلغة الأمريكيين الحقوقية، يندرج ضمن هذه الرزنامة القانونية التي يملك فيها الكونغرس صلاحيات واسعة للتقرير.
أضف لما ذكرنا آلية منح الدعم والقروض والشراكات من طرف الولايات المتحدة الأمريكية للدول الصديقة لا يتم دون تدخل الكونغرس، عبر إقراره بمدى احترام الدولة المعنية لحقوق الإنسان، وضمنها الالتزامات الدولية في باب حقوق المرأة والرجل والطفل.
ونورد عدة أمثلة من تدخل الكونغرس في السياسة الخارجية الأمريكية من باب تهم انتهاك بعض الدول العربية والإسلامية لحقوق الإنسان، وفي هذا الصدد نقدم المثال الإيراني، حيث وافق مجلس النواب الأمريكي بغالبية ساحقة، على مشروع قانون يهدف إلى تشديد العقوبات على كبار المسؤولين الإيرانيين. وأقر المجلس مشروع القانون المسمى “مهسا أميني لحقوق الإنسان والمساءلة الأمنية”، بغالبية 410 أصوات مقابل 3 أصوات رفضته.
وقال النائب الجمهوري، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، مايكل ماكول: “لدينا العديد من قوانين العقوبات المصممة لمحاسبة النظام الإيراني على انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها، لكن من الواضح أن العديد من المسؤولين والمؤسسات في إيران لم تتم معاقبتهم بعد لدورهم في هذه الانتهاكات”.
وبخصوص المثال البحريني، أعربت لجنة الاعتمادات بمجلس النواب عن قلقها العميق إزاء الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في البحرين، كما طلبت من وزارة الخارجية الأميركية إعداد تقرير يتضمن تفاصيل أفعالها لضمان إجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة في البحرين في نوفمبر 2022.
وقد أدرجت الإجراءات التي اتخذتها اللجنة في التقرير لكي ترافق مشروع قانون مخصصات الدولة والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة للسنة المالية 2023 الذي اعتمدته لجنة الاعتمادات الكاملة في 29 يونيو 2022.
أما المثال المصري، فأعلن عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي غريغوري ميكس طلبه من وزارة الخارجية “تعليق” جزء من التمويل العسكري الأمريكي لمصر بذرائع مرتبطة بـ”معايير حقوق الإنسان” في مصر. وقال ميكس، وهو الديمقراطي البارز في اللجنة، في بيان نشره عبر منصة “إكس” (تويتر سابقا): إلى مزيد من التوضيح من وزارة الخارجية بشأن كيفية التعامل مع المخاوف المتعلقة بمعاملة المعتقلين السياسيين، والصحفيين، فضلا عن سيادة القانون في علاقتنا الثنائية”. على حد قوله.
نفس الشيء ثبت في عدد من الحالات في ملف الصحراء المغربية، حيث مارس الكونغرس نوعا من الابتزاز السياسي للمغرب، حسب مراقبين، لأنه وجه له تهم انتهاكات حقوق الإنسان.
وربط الكونغرس حسب ذات المراقبين، في عدد من المرات شراكات الولايات المتحدة والمغرب، بمدى التزام المغرب بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية في قضايا حقوق المرأة والطفل وبعض الفئات الشاذة.
ختاما، يتبين جليا أن الكونغرس الأمريكي يملك شتى وسائل الضغط لفرض سياسة أمر الواقع في السياسة الخارجية الأمريكية، لكي يلزم المغرب باحترام اتفاقيات ومعاهدات في مجال الأسرة حتى في حالة مخالفتها للتشريعات الوطنية، حسب ما يؤكده مختصون في المجال.