“المراقبة والمساءلة” لفظتان مستهلكتان في ميادين الإعلام كثيرا، كغيرهما من “العبارات البراقة” و”الكلمات المعاقة” التي أدى كثير استعمالها إلى انتهاء صلاحيتها ونفاذ تاريخ استهلاكها..
فكلمة “اعتقال” لم يعد لها مدلول “يفهم منه” ربط المعتقل في عقال الزجر والتأديب لأنك ستسمع أنه في سجنه منعم راتع.. يحظى بحقوق الأحرار ويتهيأ في دورات الإجرام المكثفة ليخرج إلى المجتمع مرة أخرى مجرما بامتياز.. وقد كان في الأول “مجرما تحت التدريب”..
وربما حظي بعضهم “بمحاكمة عادلة” يشرف عليها “قاضٍ دون نزاهة”.. فيزكي الحكم عليه بتخفيف أو براءة.. وما “العفو” عن جنابه ببعيد.. وكلمة “المطالبة بتعويض” أيضا على ذلك المنوال، فحينما لا يكون الطالب أو تضعف حجة الطلب، تجد قضاءنا النزيه، ينافس كرم حاتم الطائي فيغدق على الطالبين المتضررين الملايين تعويضا، ورفعا للضيم الذي مس جناب مقامهم العالي بالله أو المعتز بالله؟!! ولا داعي حينها لمراعاة حال المدعى عليه وليكن “قلما جر مداده بعموم.. والمقام يقتضي التخصيص..”.
فاعتذر القلم وأقر، واعترف بما اقترف.. ولكن نسي المسكين أن ثقافة الاعتذار كانت قديما عند كرام الناس تحظى بالقبول.. أما اليوم “فهو عند اللئام إقرار” بالذنب مع سبق الإصرار والترصد.. والاعتراف سيد الأدلة..خبط وخلط.. تضيع معه معالم الطريق وتنفلت خطوات السائرين..
وحينما يكون الطلب واضحا والحجة فيه ملزمة ولكن الطالب مغمور من المواطنين ومنحوس من مناحيس الوطن الأوفياء.. فإن المطالبة بكْماء رغم نداوة صوتها وفصاحة لغتها.. وأما التعويض فقد “يَكْتُب” بدريهماته المشكوك في تحصيلها وصية للأحفاد أي بعد جيل أو جيلين أو أكثر من زمن الحكم إن حكم له علما أن الحكم أخذ عمر نوح وأنفق عليه المتضرر من “مال قارون” بحسبه فأي مطالبة وأي تعويض.. “ضعف الطالب والمطلوب”..
وكذلك “كلمة إغلاق” فهذه حانة “مادام بلازا” الشهيرة في مراكش مدخل طريق الدار البيضاء على حافة الشارع العام.. حيث يكون روادها من الشباب العاطل والرعايا المنكوبين لقمة سائغة وكرة “كولف” مهيأة للحافلات القادمة من بعيد والسيارات الفارهة التي تتمتع بالسياقة الجنونية آخر الليل على نفس الطريق.. فيخرج المنتشي متمايلا من الباب.. إلى العناية المركزة أو إلى رب الأرباب.. رحمه الله!!؟
هذه الحانة -وغيرها كثير- اشتكي منها ملء سمع الزمن، وحكم عليها بالإغلاق مرارا.. فلا تمر أيام قلائل حتى تفتح أبوابها مرة أخرى لسفك دماء عباد الله..
علما أنها لا تغلق حقيقة وإنما تتحايل بإغلاق الباب الرئيسي وتفتح الباب الخلفي حتى لا تحرم روادها من تعجيل سكرة الموت..
أما “إغلاق دور القرآن” فإنه ينفذ بالنية قبل النطق..يستعجل به جنح الليل قبل الصباح.. حرصا من السلطات على الأمن الروحي والأخلاقي لرعاياها الأوفياء الذين ستصون دماءهم “مادام بلازا”.. وحفاظا على السكينة التي تحدثها “مادام بلازا”.. في ساعة استجابة من الثلث الأخير من الليل..
ورعاية للصحة التي انتهكت حقوقها “دور القرآن حيث نشرت في حلقات تحفيظ القرآن الكريم “فيروس السيدا” أو “الإدمان”.. وقد تكفلت “مادام بلازا” برعاية “صحة المواطنين” بـ”الشراب الروحي” الذي يعدل المزاج ويحرك عجلة الإنتاج..
ولنرجع إلى “المراقبة والمساءلة”
ففي حين نسمع “عسولي” تجاهر بكل اجتراء وتنادي بكل استقواء واستعداء بحاجتها إلى “تغيير نظام الإرث” وأن في “التعصيب الفرائضي” حيفا وظلما وأن الشكايات تأتيها من كل حدب وصوب.. وأن معاناة المرأة كلها انحرصت في “باب التعصيب”.. وتتعصب لخرافتها فئة على مرأى ومسمع المجتمع كله.. لا نجد من يسائلها عن جرأتها ومن يدفعها لغلوائها حتى تشوش على المجتمع الآمن وتزعزع استقرار مبادئه التي حظيت بإجماعه وقبل ذلك هي شريعة خالقه ومولاه.. ولا نجد من يراقب كلماتها وتحركات جمعياتها وموقع زلاتها، والتحقيق من ادعائها والتحري في أرقام شكاياتها وحالاتها.. ولا نجد من يفتي في “ضلالها وفتنتها” أو “يشمع بالأحمر مقر جمعيتها” بل لا نجد على الأقل حتى من يقول لها بكل حق إذا تكلمت في ما لا يعنيها وليس من اختصاصها “اسكتي يا جاهلة”.. ويحكم بالحجر عليها..
أين “المراقبة” لحدود الحرية.. وأين “المساءلة” عن دواعي التشويش عن ثوابت الأمة.. فهل “فئة عسولي” ينخرق بخلافها الإجماع؟!..
وفئة “المغراوي” شرذمة قليلون ستتكفل بعددهم الضئيل وزارة الأوقاف في أجل لا يتعدى شهرا..
وهل “عسولي” تستحق حوار ابن حمزة المنسق وهدوء العبادي المنمق المتغازل وسكوت المجلس العلمي الأعلى المذكِّر المنيب و”العلامة الدكتور المغراوي” يستحق تلك المهزلة التي رأينا في الرد وفي الحكم.
وبين يديّّ -وأخيرا- مذكرة المجلس الموقرة في حق المتهافتة عسولي وقبلها “بيان المجلس الثوري” في حق العلامة المغراوي.
لا أجد إمضاء أختم به على المذكرة والبيان في مقال “المراقبة والمساءلة” سوى قوله تعالى في مطلع سورة النساء: “وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً”.