مرة أخرى تتقيأ مجلة “نيشان” دعوة نجسة إلى الفاحشة، وهي دعوة موجهة إلى المحجبات اللواتي أغظن (مرضى القلوب) بعفتهن وصلاحهن، وهما لفظان لا يتصور المرضى لهما معنى، ولذلك يعتقدون أن المحجبة محرومة ومكبوتة وأنها دائما في صراع نفسي بين داعي العفة ومنادي الشهوة والغريزة.
ومن هنا انبعث أشقياء (نيشان) لدعوة المحجبات إلى الفاحشة والرذيلة بكلمات ساقطات، وعبارات ماجنات؛ مثل قولهم: (عشن حياتكن بحرية: العلاقات الجنسية بدون زواج ليست محرمة إلا على المحجبات)!
وهذه دعوة صريحة إلى الفاحشة تستوجب تدخل القانون الذي ينص على تجريم الإخلال بالأخلاق العامة بمجرد السلوك الفردي، فكيف بالتنظير الإعلامي؟!
وكلنا نستحضر كيف اعتبر وزير الداخلية (فتوى زواج الصغيرة) المنشورة في موقع إلكتروني؛ إخلالا بالأخلاق العامة والسكينة العامة، وقرر بناء عليه إغلاق 70 دارا للقرآن!
فكيف بدعوة صريحة إلى ممارسة الزنا تبث عبر مجلة أسبوعية؟؟!!
ولا شك أن التدخل القانوني هنا دَين في ذمة كل مسؤول حر شريف غيور، ولا أظن (فلسفة حرية التعبير) تحول دون أداء تلك الأمانة.
وفي انتظار ظهور موقف القانون في دولة الحق والقانون؛ أود الوقوف مع هذه النفسية التي تجرأت على مثل هذه الجريمة الأخلاقية البشعة؛ وهي نفسية مريضة لا يمكن أن تدرك معنى لكلمتي العفة والطهارة، ويصعب أن تفقه قول الله تعالى: “وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ”.
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مرا به الماء الزلالا
إن “حفظ الفرج” سلوك إنساني سامٍ ينبع من معين الإيمان، يضفي على حياة الإنسان جمالا وكمالا، ويجعله يتحرر من قيود الشهوة البهيمية، لينطلق في فضاء الحرية بمفهومها الصحيح، وقد أناط الشارع الحكيم بهذا السلوك الجزاء العظيم والعاقبة الحميدة التي تعد غاية المنى عند العقلاء؛ وهي دخول الجنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا شباب قريش احفظوا فروجكم، لا تزنوا، ألا من حفظ فرجه فله الجنة” [رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا صلت المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت” [رواه ابن حبان في صحيحه].
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه تضمنت له بالجنة” [رواه البخاري].
ولا ريب أن إشباع غريزة الجنس والحب العاطفي أمر له أهميته وأثره الكبير على الفرد والمجتمع، ولذلك أحاطته الشريعة الربانية بأحكام وآداب كثيرة، تعطي المجتمع غنمه وتقيه غرمه، إلا أن كثيرا من الناس يبالغون في تقدير حجم تلك الغريزة، بحيث يجعلون المتعة بها قضية القضايا في حياتهم، وعلى تحقيقها يبنون مشاريعهم الحياتية؛ فتجد الواحد منهم يعمل ويكدح ويبذل ويتحمل المشاق ويرِد المصاعب من أجل نيل لذتها، وتحقيق شهوتها!
ومن تمام تصوره الفاسد؛ أنه لا يستوعب وجود ناس لا يشاركونه الهم والسعي، ناس يعرفون حبا أسمى من الحب الذي يعرف، ولذة أعظم من لذة الغريزة الجنسية، وجهله بهذه المعاني يحمله على التعجب من سلوك الطاهرين الذين تنزهوا عن نجاسات السلوك الجنسي الساقط، وسلموا من رق مرض العشق المُذل، وهذا ما دفع (نيشان ع:187) نقلا عن العلماني المتشدد الصغير جنجار إلى طرح التساؤل التالي: (الزواج هو العلاقة المثالية في الدين، أما في الحياة العملية فالأمور تتناقض مع ذلك. البنت دابا متوسط الزواج عندها هو 29 سنة، والرجل 32 سنة، فهل يعقل ما تكونش علاقة جنسية قبل هذا السن سواء كانت المرأة محجبة أم لا؟) .
وهذا السؤال مبني على قناعة أنه لا يمكن أبدا -وفي أي حال من الأحوال- الامتناع عن تلبية النداء الجنسي متى وجد!
وهذا يدفعنا إلى التساؤل: ما هو الفرق -إذاً- بين الإنسان والحيوان إذا جردنا الأول من إرادة وعزيمة تحمله على ضبط إشباع غريزته وفق حدود معينة؛ فالحيوان متى شعر بالحاجة إلى الممارسة الجنسية أتاها، وهو حال من تشبه به من بني الإنسان، أما الإنسان الكريم الحر فإنه يتحكم في سلوكه الجنسي ويجعله تابعا لإرادته التي تتأسس على معاني الإيمان والعفة، وهذا من أكبر الفروق بين الإنسان والحيوان، وهو سلوك حمدته الشريعة ووضعت لإيجاده وتقويته أحكاما وآدابا جماعها الكلمة الشرعية: “تزكية النفس”، التي أناط الله بها الفلاح، وجعلها علامة النجاح؛ أي نجاح الإنسان في التحرر من قيود الشهوانية التي تدسه في أوحال الحيوانية البهيمية: “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا”.
واعجبا! كيف يصح أن ينكر الناقص على الكامل، ويسخر المريض من المعافى!؟
فمرضى نيشان -ومن هم على شاكلتهم- الذين يفترض فيهم أن يبحثوا عن علاج لنفوسهم العليلة، ينكرون على المحجبات العفيفات طهرهن وعفتهن!!
ولكنه زمان انقلاب الحقائق وصيرورة المعروف منكرا والمنكر معروفا، وما أشبه هذا بما ذكره الله تعالى عن القوم الظالمين الذين سعوا في عقوبة نبي الله لوط وأهله، لأنهم اختاروا حياة العفة والطهر ورفضوا فاحشة اللواط التي أضحت سلوكا معتادا عند أولئك المرضى: “وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ”.
وها هو ذا التاريخ يعيد نفسه، والمجتمع البشري يجدد بؤسه، بالانتكاس والرجوع إلى الحالة المرضية التي حاربها أنبياء الله عليهم السلام، وها هي ذي نيشان تعتبر موقف (الإسلاميين) من فيلم (حجاب الحب) عائقا في طريق (الحداثة والليبرالية) .. فما أشبه اليوم بالأمس!