الفجور هو المجاهرة بالفسق, والفاجر هو المعتز بفجوره المفاخر المباهي به, وهي صفة مختصة بالكفار والمنافقين في الآيات والأحديث النبوية.
وفجر في لسان العرب تحيل إلى ما يُحدث دويا مهولا يسمعه الناس. وبهذا المعنى يكون “مفجرو الفجور” هم المجاهرين بالفسق بصوت صاخب, “مفجرو الفجور” هم أصحاب المشروع الجنسي الإباحي العلماني, العصابة الساعية لعلمنة شاملة للمجتمع وضرب الدين في حياة الأمة وتفكيك مرجعيتها وروابطها, وتقديمها لقمة سائغة للضياع والانحلال والاضمحلال.
كنت قد كتبت قبل سنة موضوعا عن مخطط لمسخ هوية هذا الشعب وضرب عقيدته, وكان ذلك بمناسبة الدورة السابعة لمهرجان موازين, ولم أجانب الصواب حين قلت حينها, “ولم يعد بمقدور الغيورين إلا تسطير مثل هذه الكلمات التي لا تغير من الواقع شيئا”. وبين الدورة السابعة والدورة الثامنة لمهرجان الخزي والعار, والتبذير والإسراف, عشنا على دوي انفجارات خلفت من الضحايا ما الله به عليم, حرب شعواء على عقيدة المسلمين وكرامتهم وأخلاقهم وحيائهم, استعملت فيها كل أسلحة الدمار والإبادة, وجندت لها كل الإمكانيات المادية والبشرية, لتكمل ما عجزت عنه جيوش المنصرين وأسلحة الاستعمار الأوربي العلماني الحديث وحروب أمريكا وإسرائيل المعاصرة, ومن تلك الحروب على سبيل المثال فلمي “كازانيكرا” و”حجاب الحب”, وما تضمناه من كلام ساقط وقلة حياء واستهزاء بالدين, ورغم الزوابع التي أثيرت حول الفيلمين وردود الأفعال المستنكرة لهما, فقد قرر منظمو الملتقى الدولي للسينما بمدينة الداخلة, والذي انطلق يوم الاثنين 4 ماي 2009 بعرض فيلم “حجاب الحب” في ساحة عمومية بهذه المدينة المحافظة.
خلال هذه المدة فقط عرضت مئات الأفلام الماجنة, بل أصبحت المسلسلات المكسيكية تعرض بلغتنا الدارجة, لتتعلم من لم تتعلم من بناتنا وأخواتنا وأبنائنا وإخواننا أصول المخادنة والخيانة الزوجية, عشرات المهرجانات الساقطة وآلاف الصور العارية على المجلات والجرائد, لإنتاج المزيد من مظاهر ثقافة الخصور والأرداف والنهود العارية المعروضة في الشارع, والتشجيع على كل أشكال العلاقات المحرمة والسلوكيات المنحرفة. وقد دأبت على هذه السياسة الممنهجة, سياسة التفسيق والإفساد والتحريض على القيم والأخلاق, عدد من الجرائد والمجلات ذات الخط التحريري المعتمد على الجنس والكبت الجنسي, وأهمها لسان طغمة العلمانيين الفرانكفونيين, “تيل كيل” و ” نيشان ” التي تصدرهما شركة مملوكة لليهودي “سيرفان شاريبر”.
وقد عودتنا هاتان المجلتان على ملفات وتحقيقات تدفع في اتجاه التطبيع مع الرذيلة قصد إفساد المجتمع المغربي, ثم استثمار هذا الفساد في إطار مشروع الهيمنة الذي تصبو إليه هذه العلمانية الليبرالية المقرفة المتربصة, القائمة أساسا على محاربة كل الكوابح الأخلاقية والدينية للغرائز الإنسانية.
أذكر أني كتبت موضوعا بعنوان “صحف الإثارة الجنسية من منظور آخر” تعليقا على ملف أعدته مجلة “تيل كيل” في عددها 13 سنة 2001, بعنوان “المغاربة والجنس” على امتداد تسع صفحات, معززة بصور خليعة. وما بين 2001 و 2009 تفننت هذه المجلات في عملية الإفساد, ملفات وتحقيقات حول: اللواط, غشاء البكارة, السحاق, زنا المحارم, والإثارة الجنسية بكل تلاوينها, الجنس ثم الجنس ثم الجنس, الجنس أولا و آخرا, هذا كل ما في جعبة هؤلاء المرضى المكابيت.
بعد مرور ثمان سنوات, تعيد “نيشان” ما طرحته “تيل كيل” لكن بلسان عربي هجين, معتمدة على دراسة أعدها عبد الصمد الديالمي بعنوان “سوسيولوجيا الجنسانية العربية”. وعبد الصمد الديالمي هذا, ليس مجرد باحث ميداني أو عالم اجتماع محايد, يرصد ظواهر اجتماعية ويحللها, بل هو داعية من أجل ديمقراطية جنسية, ومن أجل شيوعية الجنس وتعميمه, كما يقول, ومدافع عن الحرية الجنسية بكل أشكالها, والإباحية المتطرفة بكل صورها, إنه كما وصفه الدكتور أحمد الريسوني “فيلسوف الإباحة الجنسية”, عبد الصمد الديالمي هذا راكم خبرة ثلاثين سنة من الدعوة للفساد الجنسي والخيانة الزوجية, واللواط والسحاق والدعارة وزنا المحارم, ووثق خبرته بحوالي عشر دراسات بدءا من رسالته الجامعية بعنوان: “المرأة والجنس في المغرب” وانتهاء بدراسته الأخيرة “سوسيولوجية الجنسانية العربية” مرورا بكتابه “نحو ديمقراطية جنسية إسلامية”, والذي أهداه لجريدة الأحداث المغربية, منوها بجرأتها الفكرية, وأهداه أيضا لليسار المغربي من أجل تأسيس ما أسماه, جبهة يسار إسلامي ديمقراطي علماني حول المسألة الجنسية.
يقول في الصفحتين 7 و 8 من هذا الكتاب “هل يحق لليسار المغربي أن يظل صامتا مكتوف الأيدي أمام احتكار اليمين لتدبير الشأن الإسلامي؟ هل يحق له أن يترك المرجعيات المقدسة أداة يوظفها اليمين وفقهاؤه في مقاومة التحديث الجنسي؟ ألا يجب على اليسار المغربي أن يقوم بقراءته الخاصة للنصوص المقدسة من أجل تأسيس سياسته المدمقرطة للحقل الجنسي على مرجعية مقدسة كذلك؟ وحتى يبين أن إسلام اليمين لوحده, وليس الإسلام ككل أو في ذاته هو الذي يعارض الديمقراطية الجنسية”. كان هذا الكلام قبل ما يزيد عن ثمان سنوات, لكنه في دراسته الأخيرة بدا وكأنه أصيب بخيبة أمل في مَن اعتقد أنهم سيناصرونه, فنراه يستغرب أن يستعمل مسؤول سياسي تقدمي عبارة “فاحشة” للتلميح إلى العلاقات غير الزوجية في ندوة تلفزيونية, بل يستنكر هذا التعبير, ويعتبره إعادة للخطاب الجنسي (الإسلاموي), ويضيف, ما أخشاه أن يكون معظم التقدميين والديمقراطيين المغاربة غير مقتنعين بالحق في الممارسة الجنسية كأحد حقوق الإنسان الأساسية غير المقيدة بالزواج, وغير متشبعين بالمنظور الإنسي كمنظور يشمل الجنس أيضا, إلى آخر كلامه المقرف كما نقلته مجلة “نيشان”, دون حياء.
ختاما إننا أمام مشروع علماني إباحي يسهر على تنفيذة جمعويون وباحثون ومفكرون وإعلاميون ومنهم من يتقلد مسؤوليات إدارية عامة, ينتج الفساد والفجور والعهر, ويغذيه وينميه, ثم يستغله ويتغذى عليه (كما في السلاسل الغذائية), مشروع قائم على الجنس والإباحية, يسعى لإزاحة الدين والأخلاق والقيم من حياة الناس, ضاربا عرض الحائط, بكل الأوامر والتوجيهات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال علماء المالكية وغيرهم من الأئمة, وبالقيم الإنسانية السوية والفطرة النقية, وبقوانين البلاد ودستورها, وبمشاعر المسلمين وهويتهم وعقيدتهم, وأمنهم الروحي, معرضا البلاد لفتن وقلاقل منذرة بتحولات جذرية خطيرة في المجتمع تحرق الأخضر واليابس, وقد تصل نارها حتى إلى من قد يظن أنه بمنأى عنها. وحسبنا الله ونعم الوكيل.