من الأحاديث التي يكثر تداولها كلما أقبل شهر الصيام، ما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن، ومن فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء”.
قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم.
قال: “يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن، أو تمرة، أو شربة من ماء. ومن أشبع صائما سقاه الله من الحوض شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة. وهو شهر أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى بكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الجنة، وتعوذون من النار”.
أخرجه ابن خزيمة (3/191، رقم1887) وبوب عليه بقوله: باب فضائل شهر رمضان إن صح الخبر، ومن طريقه أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3608)، وأخرجه ابن أبي حاتم في العلل (733)، وابن عدي في الكامل (5/293).
كلهم من طريق علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي رضي الله عنه.
علي بن زيد بن جدعان، قال فيه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: ليس بقوي، وضعفه ابن سعد، والنسائي، والدارقطني، وابن عدي، وابن حبان، وابن خزيمة، وغيرهم (انظر تهذيب التهذيب 7/283).
فالحديث لا يصح، وقد أشار إلى ضعفه ابن خزيمة فقال: “إن صح الخبر”، وذكره ابن عدي فيما يُنكر من الأحاديث على عبد العزيز بن عبد الله القرشي البصري (الكامل 5/293). وقال الشيخ الألباني فيه : منكر. (الضعيفة 871).
وقد ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة من فضائل رمضان ما يغني عن هذا الحديث الضعيف المنكر، نذكر منها ما يلي:
1. هو شهرٌ تنزل القرآن، ولم يذكر الله تعالى في كتابه شهرا باسمه غير رمضان، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: ١٨٥].
2. هو شهرٌ فيه ليلةٌ هي خير من ألف شهر، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:١- ٣].
3. هو شهر الغفران: قال رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” ( البخاري 35 ومسلم 759)، وقَالَ: “مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” (البخاري 1901، ومسلم 760) وقال صلى الله عليه وسلم: “الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ” (مسلم 233).
فأبواب التوبة كثيرة في شهر رمضان لمن أراد أن يطرقها، وسبل المغفرة عديدة لمن أراد أن يسلكها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم فيمن لم تنله مغفرة الله تعالى في هذا الشهر مع تعدد أسبابها: “رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ”. (الترمذي 3545).
4. هو شهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتوصد فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» (البخاري 3277، ومسلم 1079).
هذا؛ بالإضافة إلى ما ورد في الصيام من فضل عظيم، نكتفي من ذلك بقوله تعالى في الحديث القدسي: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ. وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ. وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ؛ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِي رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ”. (البخاري 1904، ومسلم 1151).
فأبشر أخي الصائم بما يَسُرُّك، وانتظر من الله تعالى الجزاءَ الموعود، وما ظَنُّكَ بثوابِ عملٍ قال فيه الكريم عز وجل: «أنا أجزي به»؟