قال عون بن عمارة سمعت هشاما الدستوائي يقول:” والله ما أستطيع أن أقول أني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل”. قلت (أي الذهبي): والله ولا أنا، فقد كان السلف يطلبون العلم لله فنبلوا وصاروا أئمة يقتدى بهم، وطلبه قوم منهم أولا لا لله وحصلوه ثم استفاقوا وحاسبوا أنفسهم فجَرَّهم العلم إلى الأخلاص في أثناء الطريق. كما قال مجاهد وغيره: طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية، ثم رزق الله النية بعدُ، وبعضهم يقول: طلبنا هذا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله، فهذا أيضا حسن. ثم نشروه بنية صالحة، وقوم طلبوه بنية فاسدة لأجل الدنيا وليثنى عليهم فلهم ما نووا، قال عليه السلام من غزا ينوي عقالا فله ما نوى. وترى هذا الضرب لم يستضيؤوا بنور العلم ولا لهم وقع في النفوس ولا لعلمهم كبير نتيجة من العمل، وإنما العالم من يخشى الله تعالى، وقوم نالوا العلم وولوا به المناصب فظلموا وتركوا التقيد بالعلم وركبوا الكبائر والفواحش فتبًا لهم فما هؤلاء بعلماء، وبعضهم لم يتق الله في علمه بل ركب الحيل وأفتى بالرخص وروى الشاذ من الأخبار، وبعضهم اجترأ على الله ووضع الأحاديث فهتكه الله وذهب علمه وصار زاده إلى النار، وهؤلاء الأقسام كلهم رووا من العلم شيئا كبيرا وتضلعوا منه في الجملة، فخلف من بعدهم خلف بان نقصهم في العلم والعمل، وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر ولم يتقنوا منه سوى نزر يسير، أوهموا به أنهم علماء فضلاء ولم يدر في أذهانهم قط أنهم يتقربون به إلى الله لأنهم ما رأوا شيخا يقتدى به في العلم، فصاروا همجا رعاعا غاية المدرس منهم أن يحصل كتبا مثمنة يخزنها وينظر فيها يوما ما فيصحف ما يورده ولا يقرره، فنسأل الله النجاة والعفو كما قال بعضهم: ما أنا عالم ولا رأيت عالما.
مقالات متعلقة
- اليقين والثقة بنصر الله
- التمسك بالكتاب والسُّنَّة والأثر وذم الأخذ بالرأي
- وقفات مع كتاب التعالم -إجمال الحال في الحياة المعاصر- إعداد: عابد عبد المنعم
- معالم من المنهج النبوي في الدعوة ذ.محمد الدرداري أستاذ باحث في فقه المهجر
- مذهب السلف أسلم وأحكم وأعلم “..إن السابقين عن علم وقفوا وبصر نافذ كفوا”
- “قل هذا حكم زُفر ولا تقل هذا حكم الله” عبد القادر دغوتي
- في ظلال آية أبو يونس محمد الفرعيني
- “أعمالُكم عمَّالكم”
- التطاول على مقام العلماء -7- د. يوسف بن محمد مازي الأسباب (تتمة)
- فضل العلم ومنزلة أهله