عالم الصراط المستقيم الدكتور محمد موسى آل نصر

لقد أمر الله عباده المؤمنين أن يسلكوا صراطه المستقيم، وأن يسألوه الثبات عليه، والهداية إليه فلا تقوم لهم صلاة إلا إذا سألوه الهداية لهذا الصراط المستقيم سبع عشرة مرة في الصلوات الخمس، ولا يتم لهم ذلك حتى يستعيذوا من سبيلين:

• الأول: سبيل المغضوب عليهم، وهم اليهود. بإجماع المفسرين.
• الثاني: سبيل الضالين، وهم النصارى. بإجماع المفسرين.
وهذان السبيلان هما منبع الفساد والانحراف.
قال بعض السلف: “من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى”.
لأن اليهود عرفوا الحق وحرّفوه وانحرفوا عنه، والنصارى عبدوا الله بلا علم، فعملوا بلا علم، فعدم العمل بالعلم يفضي إلى غضب الله، والجهل والعمل بلا علم يفضي إلى الضلال.
والمتدبر لقوله تعالى: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}الأنعام، يعلم أن هذا الصراط واجب الاتباع، وأنه سبيل الهداية الوحيد، وأن من انحرف عنه يمنة أو يسرة ضل وتاه في سُبل الضلال والغواية وتخبط خبط عشواء، وأخذ يدور حول نفسه كما يدور الحمار في رحاه، وكان في تيهه وضلاله وحيرته وتخبطه كتيه اليهود عندما خالفوا أمر ربهم وقالوا لنبيهم موسى كليم الله: {فاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.
وفيه أن الحق واحد في مقابل الباطل لا يتعدد ولا يتنوع، قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} الأنعام.
فانظر رحمك الله كيف جمع الظلمات التي تمثل الباطل، وأفرد النور الذي يمثل الحق وهكذا؛ فإن صراط الحق واحد هو سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين.
وسبل الشيطان كثيرة، ولذلك جمعها الله بقوله: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ}.
وفيها: التحذير من التفرق في الدين، والاختلاف على الحق القويم، والتنكب عن الصراط المستقيم؛ لأنه سبيل الضلال.
وفيها: عدم الاغترار بالكثرة والغثائية؛ لأنها ليست دليلاً على الحق، ولا هادية إليه، ولا عاصمة من الانحراف عنه بل هي قاصمة؛ إلا أن تكون على هدى من الله وكتاب منير.
وهذا ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: “بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل”، فالحق لا يعرف بالكثرة، وما مدح الله الكثرة يوماً؛ قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} يوسف، وقال: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ}الأنعام، وقوله: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} سبأ، وقوله: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} هود.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث افتراق الأمم: “..وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلى واحدة”، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: “هم الذين على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي”، وقوله: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله”، وقوله في وصف الغرباء: “قوم صالحون قليلون في قوم سوء كثيرين؛ من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم”.
وهكذا كان الحق وأهله دائماً، فمن أظلم ممن سوّى بين المسلمين، بين أهل الصراط وأصحاب السبل الشياطين: {أفَنَجعلُ المسلمِين كالمجرِمين مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }.
ومعرفة الصراط المستقيم وأهله لا بد له من بصر وبصيرة؛ فالأعمى لا يحسن النظر، والجاهل لا يتقي تطاير الشرر: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الزخرف؛ أي: أنت ومن معك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *