يوما بعد يوم تتكشف لنا حقيقة الشعارات والدعاوى الزائفة التي يرفعها من يدعي الانتساب إلى الإيديولوجيات الدخيلة على بلدنا كالعلمانية والليبرالية والحداثة..، ويتضح لنا جليا أن الشعارات التي يرفعونها ما هي إلا أصنام من عجوى، إذا مُسَّ جنابهم أو حتى همَّ أحد بذلك أكلوها والتهموها، ليُسفروا بذلك عن وجههم الحقيقي الذي لطالما حاولوا اخفاءه وراء مساحيق براقة من قبيل الحوار، والنقاش، والحرية الفردية، والرأي والرأي الآخر..
وبتوالي الأيام يتضح للكثير مِن الذين غُرِّر بهم باسم القراءة الجديدة للتراث، أن كلام كثير من الكتاب ذوي التوجه العلماني المتطرف وغير المتطرف أضحى تكرارا ثقيلا، وثرثرة مملَّة، ومسلسلات من الأغلوطات الفكرية المستمرة، وبحرا لجيا من التناقضات والمفارقات البينات والشبهات الواضحات، يتخبطون فيه ليل نهار، محاولين إفاضته على جبال الأخلاق الإسلامية وأعلام القيم الربانية ليبتلعها، فيخلو لهم المجتمع.
فالمقال الذي نشر مؤخرا على صفحات جريدة السبيل ونشره موقع “هسبريس” تحت عنوان “شهد المغاربة اليوم وسيشهد التاريخ غدا على ما تنشره جريدة الأحداث” أقضّ مضجع الصحفي المختار لغزيوي مرة أخرى، واغتاظ منه صاحبنا كثيرا، حيث بدا حاله هذه المرة كحال بعض سفهاء الأسواق، الذين إذا عارضهم بعض الناس في الكلام أو ثمن السلعة لم يجدوا بدا من السب والشتم وقذف رذاذ الفم، وربما تطور الأمر ليصل إلى العراك والشجار.
ردة فعل لغزيوي هذه المرة كانت انفعالية جدا، وكشفت لنا مزيدا من أخلاقه المنحطة التي أشرنا إليها في مقالنا الأول “ماذا وقع لجريدة الأحداث”، وجوانب أخرى من شخصيته المهتزة التي لا قدرة لها البتة على “قبول الرأي الآخر” كما تدعي. هذه المرة لم يجد لغزيوي ما يدافع به عن نفسه سوى “رذاذ الفم” نعم “رذاذ الفم”!
ولنستمع جميعا إلى ما تلفظ به كويتبنا الحداثي: “رد علينا الموقع المشبوه “هسبريس” بشأن ما ذكرناه بخصوص تكفير المجتمع من طرف جريدة “السبيل”، وبلغت الوقاحة بالموقع المشبوه حد إخراجنا عن الإسلام وتكفيرنا والتشكيك في هويتنا الإسلامية. وإذا كان النقاش لا يجوز في ظل السب والقذف الذي يتقنه أهل الموقع المشبوه فإن الشيء المؤسف الوحيد في كل ما يقع هو اليسر الذي يمر به هؤلاء إلى تكفير الناس وإخراجهم من الملة بسهولة شديدة. لهم مني كل الاحتقار، ومعه قدر غير يسير من رذاذ الفم الذي لا يستحقون غيره بكل تأكيد” اهـ.
وأنا في هذا المقال لا أريد الدفاع عن موقع هسبريس، لكني أكتفي بملاحظة صغيرة تسلط الضوء على مقدار احترام كويتبنا لعموم القراء، إذ كال سبابه المقذع لمتصفحي الموقع المعلقين على مقاله، بل أشرك معهم المشرفين عليه في القذف والسب أيضا، علما أن أصحاب الموقع المذكور لم يكن لهم دخل إلا في نشر المقال، والقراء تفاعلوا معه سواء داخل المغرب أو خارجه انطلاقا من قناعاتهم وتوجهاتهم، فأين قبول النقد والرأي المخالف من قوله: “لهم مني كل الاحتقار، ومعه قدر غير يسير من رذاذ الفم الذي لا يستحقون غيره بكل تأكيد”.
وقد ذكرني كلامه هذا بالمثل المشهور: “كاد المريب يقول خذوني”. ويقال فيمن يكشف جرمه أو احتياله للناس بنفسه دون بحث منهم ولا تنقيب.
والملاحظ على كلام كويتبنا هذه المرة أن التهم التي ألقاها جزافا هي تقريبا نفس التهم التي ألقاها من قبل (سب، شتم، تحريض علينا، تشكيك في هويتنا الإسلامية)، وما دام يعتقد ومن يؤجره أنهم ليسوا “من النوع الذي يقمع حرية الصحافيين وآراءهم وأفكارهم”، لأنهم “مؤمنون بأن الصحافي الذي يفترض أنه يسير الرأي العام ويوجهه، هو كائن يجب أن يكون حرا في ذهنه أولا قبل كل شيء، وأن تكون له آراؤه الخاصة به، وأن يعبر عنها بشجاعة قد ترعب الكثير من الخائفين” (الأحداث، ع:3850، 1/9/2009)، فليس من حقه إذا مس جنابه أو انتقدت مقالاته أن يأرز كل مرة إلى جُحره ليستخرج منه مصطلحاته المشحونة بالحقد والكراهية، ويمطر بها كل من خالفه الرأي والمنهج، ثم من كان يدندن على صفحات جريدته صباح مساء أن الحقيقة نسبية ولا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة، فلا حق له أن يدعي امتلاكها ويرمي كل من خالفه بالمؤامرة والتكفير والتشكيك في الهوية الإسلامية.
وأما بخصوص تعرضه لتكفير المجتمع من طرف جريدة السبيل فكذب صراح، وحيلة قديمة وتهمة بائدة استهلكها -من قبل- اليسار في المجال السياسي والإعلامي أبشع استغلال، والغاية وراءها معلومة عند كل متتبع للشأن الإعلامي -بحمد الله تعالى-، وهي محاصرة كل من ارتضى الإصلاح انطلاقا من المرجعية الإسلامية في سرادقات التكفير والتفسيق والتبديع، حتى يفرغ كل جهده ويبدل كل طاقته في سبيل التخلص من التهم المنسوبة إليه ولا يتمكن من كشف مخططات العلمانيين المستهدفة لدين بلدنا وعقيدته ووحدته. حيلة بائدة قديمة، وقد نبهت كويتبنا من قبل أن ينأى عن تقليد غيره لأن الإنسان المقلد غيره مهما صاح وغرد مثل أحسن بلبل فهو عند العقلاء ببغاء يُسمع.
ثم إن إلقاء مثل هذه التهم الكبيرة على منبر إعلامي معروف بوسطيته واعتداله قد يورد بكاتب المقال المهالك، بل قد يوصله إلى المثول أمام القضاء ليعضض كلامه بحجج ووثائق تثبت الاتهامات المنسوبة، وإلا فعليه أن يتحمل مسؤوليته كاملة.
وحتى يهدأ بال كويتبنا -ومن على شاكلته- وتطمئن نفوسهم، أقول: إن إسقاط التكفير والتفسيق والتبديع على الأعيان مهمة الراسخين في العلم ومهمة العلماء الربانيين، والبلد بحمد الله فيه علماء أجلاء، وفيه المجالس العلمية العديدة، وفيه مجلس علمي أعلى، ومثل هذه المؤسسات هي المنوط بها الخوض في هذا المضمار، وإن كنا نستغرب سكوتها غير المسوغ عن أمثال لغزيوي من العلمانيين.
إن مثل هذه التهم كان من الممكن أن ينظر إليها بعين التمحيص والإنصاف لو كانت صادرة ممن صَفت سريرته، وعرفت سجلاته ببياضها ونقائها، أما وهي صادرة من جهة عرفت بعدائها لكل ما يشتم منه رائحة التدين، وتعمل صباح مساء على التمكين لأفكار ملاحدة الغرب وعلمانيي الشرق، وزعزعة منظومة القيم والأخلاق داخل بلدنا، وتستهزء بمن يسهر على حماية عقائد المغاربة -بما فيها جهاز الدولة-، وتصف زعزعة عقيدة المسلم بأنها “..أكثر تهمة باعثة على الضحك في العالم، إذ هي تفترض أن “ذلك المسلم غير على سبّة”، وأي شيء وقع أمامه من شأنه أن يزعزع عقيدته. في هذه الحالة سنكون أمام عقيدة مزعزعة من عند الله، وبيناتنا يبدو أن التزعزيعة لم تمس العقيدة وحدها بل مست البلد بأكمله” (لغزيوي، الأحداث، ع:3841، 19-20-21/9/2009).
وهذا كلام خطير جدا، لأنه يصف البلد بجميع مكوناته السياسية والثقافية والعلمية والدينية.. بالزعزعة، وفيه نبز صريح أيضا لعقيدة المغاربة المسلمين، التي تشمل العقيدة في الله وكتبه ورسله واليوم الآخر، والكاتب أضافها إلى الله تعالى بكل جرأة ونعتها بعد ذلك بالزعزعة!
ووصف إتلاف أعداد نيشان وتيل كيل وجريدة لوموند بسبب استطلاع الرأي الذي أجري حول صورة الملك عند المغاربة وتقييم حكمه طيلة عشر سنوات، قائلا: “هؤلاء المنافقون من المحيطين المقربين الذين يصورون الأشياء وفق تصورهم الأمني الضيق، والذين يحرصون أن تظهر حنة يديهم فقط في مثل هذه الإساءات الكبرى لصورة البلد” (الأحداث، ع:3802، 05/8/2009).
أظن أن هذا الكلام كلام خطير جدا جدا، يدل بوضوح على تطرف هذا الكويتب وطيشه ونزقه، إذ يبكي على إخوانه العلمانيين المستهزئين بالله ورسوله وينكر على الدولة الدفاع عن نفسها، وإن كنا مرة أخرى نستغرب لماذا لا تتعامل الدولة بحزم مع خروقات العلمانيين “الدينية” كما تتعامل مع خروقاتهم “الوطنية”.
لقد بدا لنا جليا أن الحرية التي يتحدث عنها لغزيوي ومن على شاكلته هي حرية معينة مخصوصة، حرية لا حق فيها لمن ارتضى الإسلام منهجا وسبيلا، ولا حق فيها أيضا لكل من ارتضى الدفاع عن منظومة قيمنا وأخلاقنا وهويتنا، بل هي حكر فقط على من تبنى التوجه العلماني وارتضاه.
ملحوظة لها علاقة بما سبق
يشكو الأشخاص الذين يعانون من رذاذ الفم من انزعاج اجتماعي محرج، وينصح الأطباء والأخصائيون مَن كان يكابد هذا المرض أن يتجاهل هذا الأمر بقدر المستطاع، والشيء الذي يمكنه القيام به للتقليل منه أو طرده بالمرة هو أن يحاول المصاب به أن يتكلم ببطء فهذا ضروري جداً؛ حيث عليه أن يقلل من هذه العادة، كما أنه ربما يكون لديه نوع من الانشداد في عضلات الحنك أو عضلات الوجه بصفةٍ عامة، وهذا أيضاً يؤدي إلى الإخراج الاندفاعي لهذا الرذاذ، نتمنى أن يستفيد صاحبنا من نصيحة الأطباء.