فرق العلماء في حكمهم على الإجهاض بين أن يكون بعد نفخ الروح أو أن يكون قبل نفخ الروح كالآتي:
حكم الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين
نفخ الروح يكون بعد مائة وعشرين يوماً؛ للحديث الصحيح الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله وسلم قال: حَدَّثَنَا رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ: “إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلقَةً مِثْل ذَلكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْل ذَلكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إِليْهِ مَلكًا بِأَرْبَعِ كَلمَاتٍ فَيُكْتَبُ عَمَلهُ وَأَجَلهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُل ليَعْمَل بِعَمَل أَهْل النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَليْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَل بِعَمَل أَهْل الجَنَّةِ فَيَدْخُل الجَنَّةَ وَإِنَّ الرَّجُل ليَعْمَل بِعَمَل أَهْل الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَليْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَل بِعَمَل أَهْل النَّارِ فَيَدْخُل النَّارَ” متفق عليه.
وهذا الإجهاض محرم بإجماع الفقهاء، وقالوا بأنه قتل بلا خلاف، وأنه موجب للغُرّة؛ أي: دية الجنين، وتساوي 5% من الدية الكاملة، قال ابن عبد البر في النهاية: الغرة: عبد أو أمة وهو: نصف عشر الدية وقيل: العشر، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ” رواه البخاري ومسلم، لأنه جناية على مخلوق في بطن أمه لم ير نور الحياة بعد ولم يعرف لها خيراً أو شراً، ولم يقترف إثماً ولا جرماً.
واستثني من ذلك التحريم أن يكون الحمل يشكل خطراً على حياة الأم، كأن تكون الأم مريضة بمرض القلب أو الكلى أو تكون مصابة بأمراض خبيثة كسرطان الثدي وسرطان عنق الرحم أو أمراض الدم..إلخ، المهم أن بقاء الجنين يكون خطرا على سلامة الأم.
فتُقدم آنذاك حياتها على حياة الجنين، أو أن يكون الجنين مشوهاً تشويهاً شديداً، وهذا ما أفتى به بعض الفقهاء المعاصرين وأفتى به مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة، فقد جاء في قرار المجمع المذكور ما نصه: (قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات وبناءً على الفحوص الفنية بالأجهزة والوسائل المختبرية أن الجنين مشوه تشويهاً خطيراً غير قابل للعلاج وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآلاماً عليه وعلى أهله فعندئذٍ يجوز إسقاطه بناءً على طلب الوالدين. والمجلس إذ يقرر ذلك يوصي الأطباء والوالدين بتقوى الله والتثبت في هذا الأمر) اهـ. (قرارات مجمع الفقه الإسلامي ص:123).
وقد ثبت طبياً أن ما بين سبعين إلى ثمانين بالمئة (70%-80%) من الأجنة المجهضة طبيعياً تكون مشوهة، وهذا من رحمة الله عز وجل.
حكم الإجهاض قبل نفخ الروح
اختلف الفقهاء في حكم الإجهاض في هذه الحالة، فمنهم من ذهب إلى تحريم الإسقاط في جميع أطوار هذه المرحلة كما جنح إليه أكثر المالكية وبعض الحنفية والغزالي من الشافعية وابن الجوزي من الحنابلة. أي منذ اللحظة التي تستقر فيها النطفة في الرحم، فلا يجوز الإسقاط إلا إذا تعرضت حياة الأم للخطر وأصبح الإجهاض ضرورياً لإنقاذ حياتها. فالجنين لو ترك وشأنه فإن مصيره بمشيئة الله إلى اكتمال نموه، ومن ثم نفخ الروح فيه، وعندئذ يتحقق له البعث والآدمية، وبالاعتداء عليه قبل ذلك يعد إيقافاً له عن نموه بغير حق، والاعتداء بغير حق محرم فيحرم إسقاطه. (حاشية ابن عابدين 3/176).
ومنهم من ذهب إلى جواز إجهاض الجنين إذا كان في إجهاضه سلامة للأم وبقاؤه يكون خطرا على حياتها، واستدلوا على ذلك بأن الضرر الأشد يزال بالأخف. وقالوا: بأنه يرتكب أهون الشرين، فإجهاض الجنين فيه ضرر، وموت الأم فيه ضرر فيرتكب أخف الضررين؛ فإجهاض الجنين أهون من هلاك الأم.
فالأصل في الإجهاض أنه حرام لكن لهذه القاعدة، وقاعدة: الضرورات تبيح المحظورات أجاز الفقهاء المتأخرون هذا واشترطوا له شروطا:
1- أن يوجد مرض حقيقي يعرض حياة الأم للخطر.
2- أن يتعذر علاج هذا المرض إلا بالإجهاض.
3- أن يقرر من يوثق بقوله من الأطباء أن الإجهاض هو السبيل الوحيد لاستنقاذ الأم.
فإن توفرت هذه الشروط توجه القول بجواز إجهاض هذا الجنين.
ولا بد من تحقق هذه الشروط لأن الأطباء في الوقت الحاضر يقررون بأنه لا يكاد يوجد مرض واحد يوجب الإجهاض، فأمراض الأم يمكن أن تعالج بغير الإجهاض وذلك بسبب تقدم الطب، ولهذا ذكر الدكتور محمد البار (استشاري أمراض باطنية ومستشار قسم الطب الإسلامي بمركز الملك فهد للبحوث الطبية، وجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وزميل الكليات الملكية للأطباء في المملكة المتحدة، غلاسجو وأدنبره ولندن)، أنه لا يوجد إلا مرض واحد الذي قد يسبب عدم الإجهاض فيه خطرا على حياة الأم وهو تسمم الحمل، أما ما عدا ذلك من الأمراض فلا حاجة فيها إلى الإجهاض لأنه بسبب تقدم الطب ممكن أن تعالج مثل هذه الأمراض.
وبهذا تعرف أن تهاون بعض الأطباء وقولهم: إن الأم مريضة وأن هذا الحمل يكون خطرا عليها فلا بد من إجهاضه أن هذا الكلام فيه نظر.
فالأصل هو تحريم الإجهاض إلا إذا توفرت هذه الشروط الشرعية مع الاحتياط والحذر.