يجب على من وسوس إليه الشيطان بقوله: من خلق الله؟ أن ينصرف عن مجادلته إلى إجابته بما جاء في الأحاديث المذكورة، وخلاصتها أن يقول: أمنت بالله ورسله، الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ثم يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان، ثم ينتهي عن الانسياق مع الوسوسة.
وأعتقد أن من فعل ذلك طاعة لله ورسوله، مخلصاً في ذلك؛ أنه لا بد أن تذهب الوسوسة عنه، ويندحر شيطانه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن ذلك يذهب عنه). السلسلة الصحيحة1/185.
زادك الله حرصاً ولا تعد
حديث (زادك الله حرصاً ولا تعد).
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تعد) تتضمن ثلاثة أمور:
الأول: اعتداده بالركعة التي إنما أدرك منها ركوعها فقط.
الثاني: إسراعه في المشي كما في رواية أحمد: (فسمع النبي صلى الله عليه وسلم نعل أبي بكرة وهو يحضر [أي يعدو]).
الثالث: ركوعه دون الصف ثم مشيه إليه.
وإذا تبين ما سبق: فهل قوله صلى الله عليه وسلم (لا تعد) نهي عن هذه الأمور الثلاثة جميعها، أم عن بعضها؟
أما الأمر الأول، فالظاهر أنه لا يدخل في النهي، لأنه لو كان نهاه عنه لأمرَه بإعادة الصلاة.
وأما الأمر الثاني، فلا نشك في دخوله في النهي لما سبق من ذكره من الروايات، ولأنه لا معارض له، بل هناك ما يشهد له، وهو حديث أبي هريرة مرفوعاً (وإذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون…).
وأما الأمر الثالث، فهو موضع نظر وتأمل، وذلك لأن رواية أبي داود (أيكم الذي ركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف) مع قوله (لا تعد) يدل بإطلاقه على أنه يشمل هذا الأمر، لكنه مخالف ما دل عليه حديث ابن الزبير (أنه كان يقول على المنبر: إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل ثم يدب راكعاً حتى يدخل في الصف، فإن ذلك السنة) وإذا كان كذلك؛ فلا بد حينئذ من ترجيح أحد الدليلين على الآخر، ولا يشك عالم أن النص الصريح أرجح عند التعارض.
ومن أسباب الترجيح:
خطبة ابن الزبير بحديثه على المنبر في أكبر جمع يخطب عليهم في المسجد الحرام.
ويتلخص مما تقدم أن هذا النهي لا يشمل الاعتداد بالركعة ولا بالركوع دون الصف، وإنما هو خاص بالإسراع لمنافاته للسكينة والوقار.
وبهذا فسره الإمام الشافعي. السلسلة الصحيحة 1/407-408.
حكم ومواعظ
قال أبو حيان التوحيدي: نجا من آفات الدنيا من كان من العارفين ووصل إلى خيرات الآخرة من كان من الزاهدين، وظفر بالفوز والنعيم من قطع طمعه من الخلق أجمعين.
الحسنة والسيئة
قال بعض السلف: إن للحسنة لنورا في القلب، وقوة في البدن، وضياء في الوجه، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة لظلمة في القلب، وسوادا في الوجه، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضا في قلوب الخلق.
وحار الدليل
خفّ الزاد، وجف المزاد. وطال السبيل، وحار الدليل. وما يدريك على م تقدّم، أتثبت أم تزل بك القدم.
يا أهل النجاة
ما أهل النجاة والخلاص، إلا أهل الوفاء والإخلاص، الذين أوفوا الله بالمواثيق، وأخلصوا دينهم بعد التصديق، فيا ليت شعري من أين يرجو، أنه ممن ينجو، من هو يوماً فيوماً أغدر، وحاله ساعة فساعة أكدر.
عابد من رعاة المدينة
قال نافع خرجت مع ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له، فوضعوا سفرة فمر بهم راع فقال له عبد الله: هلم يا راعي فأصب من هذه السفرة، فقال: إني صائم، فقال له عبد الله: في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت في هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم! فقال الراعي: أبادر أيامي الخالية، فعجب ابن عمر، وقال: هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها ما تفطر عليه، ونعطيك ثمنها، قال: إنها ليست لي إنها لمولاي، قال: فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت: أكلها الذئب فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول فأين الله.
قال: فلم يزل ابن عمر يقول: قال الراعي فأين الله فما عدا أن قدم المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم فأعتق الراعي ووهب له الغنم، رحمه الله.
ذم من يجهل نفسه
قال أبو علي الوراق: آفة الناس قلة معرفتهم بقدر أنفسهم. قيل لبزرجمهر: أي العيوب أعظم؟ قال: قلة معرفة المرء بنفسه. قال المتنبي:
ومن جهلت نفسه قدره رأى غيره منه ما لا يرى
وقال حكيم: لا شيء أضر بالإنسان من رضاه عن نفسه، فإنه إذا رضي عنها اكتفى باليسير فعابه كل خطير.
النهي عن الركون إلى النفس
لا تسكن إلى نفسك وإن دامت طاعتها، فإن لها خدائع وإن سكنت إليها كنت مخدوعاً. وقيل: من رضي عن نفسه سخط الناس عليه.