من المعلوم أن الجامع لمقاصد القرآن والسنة؛ هو: إقامة المصالح وتكثيرها وإعدام المفاسد أو تقليلها.
وأعظم المفاسد خطرا على الإنسان؛ الشرك بالله الخالق المنعم سبحانه.
وقد رأينا أن أول شرك وقع في العالم لم يكن مقصودا؛ وإنما أدى إليه تعظيم الصالحين؛ حيث اتخذوا لهم صورا وأضرحة ثم عبدوهم، ثم قلد الخلف في ذلك السلف؛ إلى درجة تقديم هذا التقليد على حجة نبي الله نوح عليه السلام ومن بعده من الأنبياء.
من هنا جاءت نصوص القرآن والسنة بسد كل ذريعة تفضي إلى الشرك؛ من ذلك مثلا:
1- تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين واتخاذ الصور لهم
عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة -فيها تصاوير- لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة” [متفق عليه].
قال القاضي عياض: “ولأن هذا كان الأصل في عبادة الأصنام فيما يذكر، وكانوا قديما إذا مات فيهم بين أو رجل صالح صوروا صورته، وبنوا عليه مسجدا ليأنسوا برؤية صورته، ويتعظوا بمصيره، ويعبدوا الله عنده، فمضت على ذلك أزمان، وجاء بعدهم خلف رأوا أفعالهم وعباداتهم عند تلك الصور، ولم يفهموا أغراضهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم وألقي إليهم أنهم كانوا يعبدونها؛ فعبدوها” .
قال مالك: “بلغني أن أول ما اتخذت الصور في موت نبي، فصوروا ليأنسوا بصورته، فما زال ذلك حتى صار إلى أن عبدت” .
2- النهي عن الصلاة إلى القبور
عن أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها” [رواه مسلم].
قال القرطبي: “أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى، فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام.
فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال: “اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد”اهـ [تفسير القرطبي 10/380].
3- اتخاذ القبر النبوي أو غيره عيدا
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تتخذوا قبري عيدا”. [أخرجه أبو داود وصححه الألباني]
ومعنى اتخاذها عيدا؛ أن تقصد في أوقات معينة، ومواسم معروفة، للتعبد عندها بالدعاء وغيره.
قال الحافظ ابن عبد البر: “وليس فيه حكم أكثر من التحذير أن يصلي إلى قبره وأن يتخذ مسجدا وفي ذلك أمر بأن لا يعبد إلا الله وحده وإذا صنع من ذلك في قبره فسائر آثاره أحرى بذلك”اهـ
ولما بين ابن الحاج في كتابه المدخل؛ حرمة الطواف بالقبر النبوي والتبرك به؛ قال: “وما كان سبب عبادة الجاهلية للأصنام إلا من هذا الباب”اهـ.
قلت: فكيف تقر وزارة الأوقاف اتخاذ قبور الصالحين أعيادا؛ تقام لها المواسم البدعية تزار ويتبرك بها ويعبد الله عندها؟!
ومن الجهال من يتوجه بالعبادة إلى المقبور نفسه؟!
وفي المدونة (1/400):
“قال ابن القاسم: وقال مالك: وناس يقولون زرنا قبر النبي عليه السلام، قال: فكان مالك يكره هذا ويعظمه أن يقال إن النبي يزار”اهـ.
وما أجمل القصة التي رواها الشيخ إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه (فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) عن سهيل قال: “رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر، فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى، فقال: هلم إلى العشاء، فقلت: لا أريده.
فقال: مالي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (إذا دخلت المسجد فسلم) ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تتخذوا قبري عيدا، ولا تتخذوا بيوتكم قبورا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”.
ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء.