دخول القراءات إلى المغرب
لقد حاول ابن الجزري تحديد تاريخ ذلك وذكر حيثياته؛ فقال في النشر 1/47 ولم يكن بالأندلس ولا ببلاد الغرب شيء من هذه القراءات إلى أواخر المائة الرابعة فرحل منهم من روى القراءات بمصر ودخل بها؛ وكان أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي مؤلف الروضة أول من أدخل القراءات إلى الأندلس وتوفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة ثم تبعه أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي مؤلف التبصرة والكشف وغير ذلك، وتوفي سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، ثم الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني مؤلف التيسير وجامع البيان وغير ذلك توفى سنة أربع وأربعين وأربعمائة وهذا كتاب جامع البيان له في قراءات السبعة فيه عنهم أكثر من خمسمائة رواية وطريق. (معرفة القراء الكبار 2/733، غاية النهاية 1/120).
وقيل إنَّ أبا موسى الهوَّاري- المتوفى سنة 228هـ- هو الذي أدخل القراءات القرآنية إلى بلاد المغرب العربي. (مقدمة شرح الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع 1/6. نقلا عن كتاب عناية الأمة بالقرآن الكريم عبر العصور ص 26 د؛ محمد العمر).
قراءة نافع بالمغرب والأندلس
وأما عن دخول قراءة نافع إلى بلاد المغرب العربي ثم إلى الأندلس فقيل إن الغازي بن قيس المتوفى سنة 199هـ، هو أول من قام بذلك.
قال أبو عمرو الداني: قرأ على نافع وضبط عنه اختياره وهو أول من أدخل قراءة نافع وموطأ مالك إلى الأندلس. (سير أعلام النبلاء 9/323؛ ترتيب المدارك 1/123؛ غاية النهاية ص:276 ـ407؛ والديباج المذهب 1/121).
ثم جاء بعده محمد بن وضاح القرطبي (ت:287هـ) فأدخل رواية ورش عن نافع إلى الأندلس.
قال أبو عمرو الداني: ومن وقته اعتمد أهل الأندلس رواية ورش، وصارت عندهم مدونة، وكانوا قبل يعتمدون على رواية الغازي بن قيس عن نافع) (غاية النهاية ص:397).
قلت: والمقصود برواية ورش أي من طريق عبد الصمد.
قال ابن الجزري: روى القراءة عن عبد الصمد بن عبد الرحمن عن ورش وله عنه نسخة وسمع منه الاختلاف بين نافع وحمزة من تصنيفه وروى عنه عدد القرآن على عدد المدني الأول. (غاية النهاية ص:397).
وذكر المُقرِّي أنّ أبا عبد الله محمد بن عمر بن خَيْرون الأندلسي (ت:306)، هو الذي أدخل قراءة نافع إلى إفريقية.
فقال ومنهم أبو عبد الله محمد بن محمد بن خيرون وقيل محمد بن عمر بن خيرون أندلسي سكن القيروان ورحل إلى المشرق وأخذ القراءات بمصر عن محمد بن سعيد الأنماطي وغيره كعبيد بن رجاء وأبي الحسن إسماعيل بن يعقوب الأزرق المدني.
ودخل العراق وسمع به من أصحاب علي بن المديني ويحيى بن معين وعاد إلى القيروان وسمع بها وبقرطبة، وقدم بقراءة نافع على أهل إفريقية وكان الغالب على قراءتهم حرف حمزة ولم يكن يقرأ بحرف نافع إلا الخواص حتى قدم بها فاجتمع إليه الناس ورحل إليه أهل القيروان من الآفاق وكان يأخذ أخذا شديدا على مذهب المشيخة من أصحاب ورش، وتوفي بشعبان سنة 306هـ وكان رجلا صالحا فاضلا كريم الأخلاق إماما في القراءات مشهورا بذلك ثقة مأمونا واحد أهل زمانه وأئمتهم في علم القرآن رحمه الله تعالى. (نفح الطيب2/65، وتاريخ العلماء والرواة بالأندلس لأبي الوليد الأزدي 2/112).
قراءة نافع في المغرب العربي والسبب في اختيارها
من المعلوم والمشهور أن المغاربة قاطبة في مذهب القراءة على قراءة الإمام نافع وإن كانوا مختلفين في اختيار الرواية، وقد يكون السَّبب في اختيارهم قراءة نافع من بين باقي القراءات علاقتهم بالفقه المالكي وبمالك وعلاقة مالك بنافع.
فقد ذكر أن نافعا قرأ على مالك الموطأ ومالك أخذ عنه القراءة، هذا من جهة ومن جهة أخرى ما ورد من الثناء على نافع وعلى قراءته وخصوصا من الإمام مالك رحمه الله تعالى.
فقد قال رحمه الله: نافع إمام الناس في القراءة.
وعن سعيد بن منصور قال سمعت مالكا يقول: (قراءة نافع سنة) (أخرجه ابن مجاهد في السبعة ص:62).
وقال عبد الله بن أحمد قيل لأبي: فأي القراءة أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة فإن لم يكن فعاصم (المسائل ص:82).
وروى ابن وهب عن الليث بن سعد قال أدركت أهل المدينة وهم يقولون قراءة نافع سنة (أخرجه ابن حبان في الثقات 7/533).
وقال أبو محمد عبد الغني بن عبد العزيز بن سلام سمعت ابن وهب يقول: قراءة أهل المدينة سنة. قيل له: قراءة نافع؟ قال نعم. (أخرجه ابن مجاهد في السبعة ص 62 وترتيب المدارك 1/273).
إلى هنا انتهت حلقة هذا العدد ولا زال في الموضوع بقية فترقبوها في العدد القادم بحول الله تعالى وقوته.