لماذا لا تشارك أهلك في أعمال البيت؟ طارق حمودي

من السنن التي هجرها كثير من الأزواج -والسنن كثيرة- مشاركة الزوجة في أعمال البيت. فإنهم ظنوا ذلك تنزلا عن مرتبة القوامة، وامتهانا للرجولة، وإذلالا لنفوسهم (الأبية وذكورتهم!). 

ولم يعلموا لضعف عقولهم، وقلة مبالاتهم بمصالحهم أن ذلك من شيم الصلاح والدين، وأخلاق النبوة والولاية!! وعلامات حسن العشرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله).
روى البخاري (باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج) (644) عن الأسود قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: (كان يكون في مهنة أهله -تعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة).
والحديث رواه البخاري أيضا في كتاب الأدب! وابن المبارك في الزهد ووكيع في الزهد وأحمد في الزهد وهناد بن السري في الزهد! وهو حقا أصل من أصول الأدب والزهد!!
قال الحافظ في فتح الباري (10/461): (وقد وقع في حديث آخر لعائشة أخرجه أحمد وابن سعد وصححه ابن حبان من رواية هشام بن عروة عن أبيه قلت لعائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت: (يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم).
وفي رواية لابن حبان (ما يعمل أحدكم في بيت).
وله ولأحمد من رواية الزهري عن عروة عن عائشة (يخصف نعله ويخيط ثوبه ويرقع دلوه).
وله من طريق معاوية بن صالح عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة بلفظ: (ما كان إلا بشرا من البشر كان يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه).
وأخرجه الترمذي في الشمائل والبزار، وقال وروي عن يحيى عن القاسم عن عائشة وروي عن يحيى عن حميد المكي عن مجاهد عن عائشة وفي رواية حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة عند ابن سعد: (كان ألين الناس وأكرم الناس وكان رجلا من رجالكم إلا أنه كان بساما).
قال ابن بطال: من أخلاق الأنبياء التواضع والبعد عن التنعم وامتهان النفس ليستن بهم ولئلا يخلدوا إلى الرفاهية المذمومة وقد أشير إلى ذمها بقوله تعالى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً})اهـ.
وقال العراقي في طرح التثريب في شرح التقريب (8/174): (أما خدمة أهله في الحاجات المختصة بهن فهو غير مراد في الحديث فيما يظهر؛ ولا يمكن لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن السكوت عن ذلك والموافقة عليه، وقد رجح أصحابنا الشافعية في الزوجة التي يجب إخدامها أن الزوج لو قال: أنا أخدمها لتسقط مؤنة الخادم عني ليس له ذلك، وعللوه بأنها تستحي منه، وتعير به، وقال بعض أصحابنا: له ذلك. وبه قال أبو إسحاق المروزي، واختاره الشيخ أبو حامد .وقال القفال وغيره: له ذلك فيما لا يستحى منه كغسل الثوب واستقاء الماء وكنس البيت والطبخ دون ما يرجع إلى خدمتها كصب الماء على يدها وحمله إلى المستحم.
فإذا قيل مثل هذا في الآحاد، فكيف في حقه صلى الله عليه وسلم، وفي الشمائل لأبي الحسن الضحاك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في صفته عليه الصلاة والسلام: (متواضع في غير مذلة) قال ابن بطال: وفيه أن الأئمة والعلماء يتناولون خدمة أمورهم بأنفسهم وأن ذلك من فعل الصالحين) اهـ.
قال القرطبي في الجامع (10/145): (ويخدم الرجل زوجته فيما خف من الخدمة ويعينها، لما روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الأذان خرج. وهذا قول مالك ويعينها وفي أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخصف النعل ويقم البيت ويخيط الثوب).
بل كان يشاركهن في أعمال المطبخ إن صح التعبير، كتقطيع اللحم مثلا. فقد روى الإمام أحمد في مسنده (6/94) وكتاب الزهد! بإسناد صحيح عن حميد بن هلال قال: قالت عائشة: أرسل إلينا آل أبي بكر بقائمة شاة ليلا فأمسكت وقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قالت أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطعت قالت: تقول للذي تحدثه هذا على غير مصباح) قال الشيخ الألباني في آداب الزفاف: ( ليس في وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك إذا وجد الفراغ والوقت بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين) وقد جعل رشيد رضا هذا من حقوقهن على أزواجهن كما في كتابه (حقوق النساء في الإسلام).
بل كان يعينهن في أمر تنظيف الأرضية أحيانا؛ فقد روى أحمد (6/111) وأبو داود (3567) عن حميد عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام قال: فضربت بيدها فكسرت القصعة، قال ابن المثنى: “فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى فجعل يجمع فيها الطعام ويقول غارت أمكم”، زاد بن المثنى كلوا فأكلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها ثم رجعنا إلى لفظ حديث مسدد وقال كلوا وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وحبس المكسورة في بيته). والحديث صححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود.
والذي أريدك أن ينتبه له في الحديث قوله: (فجعل يجمع فيها الطعام). وروي من حديث أبي سعيد الخدري أنه كان يقم بيته، وهو من أحاديث الإحياء التي لا أصل لها كما عند السبكي في الطبقات والعراقي في المغني. وعزاه اليافعي في مرآة الجنان إلى الترمذي ولم أجده عنده في السنن ولا في الشمائل!
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة. فدارك أولى بذلك، وأهلك أولى بصدقتك.
ومن لطيف العون أن تبادر إلى طي الثياب معها -وجلنا مقصر في هذه الناحية- فقد روى الدينوري في المجالسة (2015) عن بكر العابد قال كان لسفيان الثوري عباءة يلبسها بالنهار ويرتدي بها، وكان إذا جاء الليل طواها وجعلها تحت رأسه وقال: (بلغني أن الثوب إذا طوي يرجع إليه ماؤه) ورواه علي بن الجعد في مسنده عن مسدد قال: قال لي يحيى: كان سفيان يطوي ثيابه بالليل وقال لي: (إن الثوب يستريح إذا طوي) .
ولهذا لا تأنف ولا تترفع عن إعانة زوجتك في المطبخ أو غيره، تقطع لها اللحم، فإن لم يكن لحم فقطع لها البطاطس والخضروات! وإن شئت فاطبخ لكما شيئا تمدحه لك زوجتك. فإن لطبخ الرجال خصوصية عندهن! وكذلك لا تستكبر عن تنظيف أرضية الدار معها فإنه علامة تواضع وإيمان. وقد ورد ما يفيد وجوب تنظيف أرضيات الدور، فقد روى الطبري في الأوسط عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا: (طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها).
وفي لفظ نسبه ابن القيم في زاد المعاد وابن مفلح في الآداب للبزار مرفوعا: (إن الله طيب… فنظفوا أفناءكم وساحاتكم ، ولا تشبهوا باليهود، يجمعون الأكباء في دورهم) والذي وجدته عند البزار موقوف على سعيد بن المسيب، وفيه خالد بن غياس وهو آفته. وانظر الحديث وتخريجه في السلسلة الصحيحة لشيخ شيخنا الألباني (236)
والأفنية (جمع فناء وهو المتسع أمام الدار) من فيض القدير (4/271). والأكباء جمع كبى بكسر الكاف وهي الكناسة كما في الآداب لابن مفلح.
وقد روى الديلمي في الفردوس عن أنس مرفوعا (ترفع البركة من البيت إذا كان فيه كناسة) والحديث ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (3410).
فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بتطهير ما كان أمام البيت فأولى أن يفهم ذلك في أرضية الدار! والله أعلم.
مع التنبيه إلى أن الأمر موجه للرجال دون النساء لأن الرجل يسهل عليه الخروج إلى الفناء بخلاف المرأة التي أمرت بالتستر ما أمكنها!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *