يتذكر المغاربة عموما والسلفيون خصوصا حادثة 16 ماي بأسى وحزن كبيرين، ذلك أن التفجيرات التي تعرضت لها بعض الأمكنة بمدينة الدار البيضاء تعتبر مخالفة لشرائع الإسلام وسماحته وحرصه على حفظ الأنفس البريئة المعصومة، وهي تفجيرات بقيت محط نظر الدارسين والباحثين عن الحقيقة من حين وقوعها إلى اليوم.. وراح ضحيتها مئات من المغاربة الذين دفعوا تكلفة انخراط المغرب في قانون مكافحة الإرهاب باهضة، فزج بهم في السجون وتلقوا أشكالا من التعذيب لا يمكن أن تسمع عنها إلا في معتقلات مثل غوانتنامو وسجن أبو غريب..
غير أن أتباع الامتداد السلفي بالمغرب والذين يسيرون على عهد اتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة لم يسلموا هم كذلك من سياسات الإخفاق في تثبيت الأمن وتسيير الشأن الديني بالمغرب، إذ تم إيقاف عمل عدد من الجمعيات بمدن مختلفة من المغرب، وأغلقت مقراتها التي تجعل أولى الأولويات تحفيظ الناشئة والكبار كتاب الله عز وجل، بل كان من نتائج زيادة الشطط في استعمال السلطة أن تم الاستيلاء على بعض دور القرآن التابعة لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش وإلحاقها بمؤسسات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ليخفت بعد ذلك نورها وتبهت صورتها بعد أن كانت بالأمس القريب منارة علم يؤم إليها آلاف من ساكنة مدينة مراكش.
بعد أحداث 16 ماي 2003م استمرت أغلب الجمعيات ذات التوجه السلفي في تأدية رسالتها الإصلاحية، وساهمت بشكل كبير في غرس الوعي الديني عند عدد كبير من المغاربة، وفي دور القرآن التابعة لها تعلم الناس الإسلام كما أراده الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وسلم، الإسلام الصافي من المعتقدات الباطلة ومن البدع المنكرة والأفكار الزائغة..، ومرت أحداث الدار البيضاء سنة 2007م، فساهمت هذه الجمعيات وعدد من منابرها الإعلامية في التصدي للفكر المتطرف الذي يحمله أهل الغلو من خوارج العصر من خلال المحاضرات والدروس ونشر الكتب والمقالات التي تعرف المغاربة بالإسلام السمح الذي يحقن دماء الأبرياء.
كل هذا لم يشفع لتلكم الجمعيات ودور القرآن التابعة لها، فمع اتساع مجهودات مشروع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد توفيق والرامي إلى علمنة مظاهر الإسلام في الحياة العامة، وإغراق المغرب في الفكر الصوفي المنحرف الذي لا يعترف بسلطة للدين على الفرد ولا على المجتمع ولا على الاقتصاد والسياسة والثقافة والفن، صار من اللازم تنحية التيار السلفي المتجذر في المغرب والذي تمثله دور القرآن السلفية والجمعيات التابعة لها..
حينئذ تعاون الكاتب والصحفي والإعلامي العلماني والجمعيات الحقوقية المستغربة ورجل السلطة والمؤسسة الدينية وافتعلوا قضية فتوى زواج الصغيرة، وتم استصدار بيان المجلس العلمي الأعلى في حق الدكتور محمد المغراوي، فتمت إدانته بمخالفة الثوابت ، ودون أي متابعة قانونية أو قضائية أقدمت السلطات على إيقاف نشاط جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش وأغلقت دورها القرآنية، وبأمر سلطوي غير مسؤول ولا منصف تم سحب تلكم الإدانة الباهتة (التي كانت بناء على بيان أحب الكثير أن يصفه بالسخيف) على عشرات الجمعيات ذات التوجه السلفي بالمغرب، وتم إغلاق أزيد من 67 دارا للقرآن في العشر الأواخر من شهر القرآن رمضان الكريم عام 1429 هـ الموافق شتنبر 2008م، في غياب تام لدعاوى الديمقراطية المزعومة.
فكيف تؤاخذ عشرات الجمعيات بجريرة جمعية واحدة؟
وهل الديمقراطية تبيح السطو على ممتلكات الغير، وإقصاء وتهميش الآلاف من المغاربة؟
مالكم كيف تحكمون! أفلا تعقلون!
ومن ذلك اليوم وكل الجمعيات المتضررة تنتظر من السلطة أن تنصفها وتعيد فتح مقراتها وترفع عنها سياسة التهميش والإقصاء غير المبررة.
ورغم أن ملف جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة في مسيرته القضائية عرف حركة خلاف ملفات بعض الجمعيات الأخرى، فإن مآله كان هو استمرار قرار الإغلاق والحرمان، فبعدما حكمت المحكمة الابتدائية بإلغاء قرار الإغلاق، عادت محكمة الاستئناف لتشرعن الإغلاق بحجة أن وزارة الداخلية تقدمت بمذكرة تضمنت بعض مخالفات الجمعية منها: الامتناع عن قراءة القرآن جماعة، تشييع الجنائز من غير صوت.. وغيرها من الحجج المأفونة، ليستمر مع ذلك الإغلاق.
وبعد الخطاب الملكي في 9 مارس وما جاء به من توسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وفي إطار مسلسل المطالبة بإعادة فتح دور القرآن المغلقة اتصل بعض مسؤولين دور القرآن بالسلطات للمطالبة بإعادة فتحها -لكن دون جدوى-، كما أقدمت جمعية القاضي عياض لتحفيظ القرآن الكريم بمدينة سلا على تنظيم وقفة احتجاجية لصغار الطلبة المستفيدين من أنشطتها، وتحرك العديد من أطر ومسؤولي الجمعيات ودور القرآن لجمع شتات المجهودات المتفرقة في الشبكة العنكبوتية، وتم تأسيس التنسيقية الوطنية للمطالبة بفتح دور القرآن على موقع الفايسبوك..
وبعد أن تقدمت 96 جمعية مدنية بمراكش إلى والي جهة مراكش تانسيفت الحوز، بطلب إعادة فتح دور القرآن الكريم الكائنة بتراب ولاية مراكش؛ استجاب والي الجهة لملتمسهم وأذن لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بالعودة إلى ممارسة أنشطتها، وفي يوم الجمعة 8 أبريل فتحت العديد من دور القرآن أبوابها وعادت لمزاولة أنشطتها لكن سرعان ما عادت السلطات مجددا إلى إغلاق مقرات كل من جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش وجمعية القاضي عياض بسلا دون سند قانوني..
إن سياسة التهميش والإقصاء التي تنتهجها كل من وزارة الداخلية ووزارة الأوقاف في حق الجمعيات ذات التوجه السلفي ودور القرآن التابعة لها لا يمكن أن تستمر ولا يمكن القبول بها بتاتا بعد خطاب 9 مارس، وقد حان الوقت اليوم أكثر من أي وقت مضى لتصحيح هذا الخطأ ورد المظالم إلى أهلها.