لماذا اخترنا الملف

“آه! يا ليتني لم أطلب منهم عونا! ويا ليتهم لم يكونوا ورائي في هذا الوقت العصيب الذي يتطلب المزيد من العمل! إنني أريد الاستمرار في الكفاح! إني أريد أن أجعل المسلمين في مأمن من هذه الكارثة التي تهددهم من جراء هذه الوصاية الأجنبية وهذا النفوذ المسيحي دمره الله ومحقه”..
كلمات أخرجها من أعماقه سلطان المغرب آنذاك المولى عبد الحفيظ وهو يتألم ويتحسر لما وقع وما سيقع لوطنه الحبيب بعد التدخل الفرنسي المباشر عقب توقيع معاهدة ما يسمى بعقد الحماية 11 ربيع الثاني 1330 الموافق لـ30 مارس 1912.
ومما جاء فيها في الفصل الأول “أن جلالة السلطان ودولة الجمهورية الفرنسية قد اتفقتا على تأسيس نظام جديد بالمغرب، مشتمل على الإصلاحات الإدارية والعدلية والتعليمية والاقتصادية والمالية والعسكرية التي ترى الدولة الفرنسوية إدخالها نافعا بالإيالة المغربية”.
لكن كل هذه الإدعاءات والوعود كاذبة فبمجرد ما استثب لهم الأمر في المغرب بدأت محاولة مسخ الهوية الوطنية للمغاربة بكل حمولتها الإسلامية واللغوية والثقافية فقد أصدر المارشال ليوطي أول مقيم عام فرنسي بالمغرب إلى رؤساء المناطق المدنية والعسكرية التعليمات التالية: “..إن العربية هي عامل من عوامل نشر الإسلام، لأن هذه اللغة يتم تعلمها بواسطة القرآن، بينما تقتضي مصلحتنا أن نطور البربر خارج إطار الإسلام، ومن الناحية اللغوية، علينا أن نعمل على الانتقال مباشرة من البربرية إلى الفرنسية..” محاولة منه لإنهاء عروبته وبربرة تعليمه وأزرفة أحكام قضائه كمرحلة لفرنسته على المدى البعيد في أطفال مدارسه.
فعلى الرغم من أن الحالة التعلمية في المغرب كانت لا ينقصها إلا شيء من التحديث كإدخال بعض العلوم الحديثة كالصناعة العسكرية، والطب الحديث، والصناعة الغذائية وغيرها من الصناعات الحديثة كما جاء في كتاب كولييز حمايتنا الصفحة 258-268: “عند إمضاء عقد الحماية وجدنا أنفسنا أمام حالة واقعية، وجدنا أمامنا بفاس جامعة القرويين التي زودت دول الإسلام الإفريقية طول عشر قرون بقادة الفكر والتي لا يزال فيها سبعمائة طالب مغربي يتخصصون في القضاء والعدالة، كما وجدنا أيضا في الحواضر والبوادي عددا كبيرا من الكتاتيب القرآنية يمدها السلطان والأوقاف أو مطلق الناس بما تحتاج إليه.
نعم وجدنا أنفسنا أمام مجموعة زاهرة بديعة من المدارس كبرى وصغرى، تعمل تحت ظلال الأحياء الحضرية أو تحت خيام المداشر”.
كما أن المحتل قام بنشر كل المبادئ التي تنافي أخلاق الإسلام، كنشره لمواخير الدعارة التي تتاجر في الأعراض المسلمين، حتى قال روم لاند ما قال في كتابه “جورنال أوف موركو الصفحة 181 على الشذوذ الجنسي في المغرب وأن كل نساء فاس عاهرات”، كما شجع صناعة الخمور والاتجار فيها وغير ذلك من الموبقات التي لم يكن المغاربة يعرفون لها سبيلا، حتى انتفض الوطنيون ضد هذه السياسة التي نهجها المحتل بما يعرف بحوادث محاربة التدخين بفاس، ومحاربة الخمر بسلا سنة 1934.
ومن الناحية الاقتصادية ما كان ثراء المغرب إلا ثراء كاذبا، ففي مدة خمس وثلاثين سنة ارتفع الناتج الوطني الخام فيه بنسبة 17% سنويا، فيما انحدرت ساكنته المسلمة (البالغة 8585000 نسمة سنة 1952) إلى الفقر، كما قام المحتل بنهب كل مداخيل أحباس المسلمين وصرفها على النصارى ومصالحهم، ونكتفي بمثال واحد ومن أراد الإطلاع على المزيد فعليه بكتاب العلامة المكي الناصري رحمه الله “الأحباس الإسلامية”.
ففي ميزانية سنة 1929: لمساعدة الوكالة التبشيرية 160.000 – لبناء كنائس كاثوليكية 175.000 – لبناء معابد بروتستانية 40.000.
لكل هذا الظلم الذي لحق بالوطن الحبيب وإزالة الشبهة التي علقت بذهن بعض الناس من أن فرنسا كانت لها اليد الطولى في تقدم المغرب وازدهاره، فبعد قراءة هذا الملف سيتبن لك كيف أن فرنسا لم تفعل إلا ما يخدم مصالح وطنها وجاليتها في المغرب، هذه هي الحقيقة التي سيطلعك عليها هذا ملف هذا العدد بعد قراءته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *