لقد فاضل الله تعالى بين الأوقات فجعل منها مواسم للخيرات ليجتهد الناس فيها بسائر الطاعات وأنواع العبادات، ومن هذه الأزمنة الفاضلة التي أشار القرآن إلى عظيم منزلتها وأظهرت السنة علو مكانتها شهر الله الحرام.
لماذا سمي محرم؟
يقول المؤرخون إن أول من سمى الأشهر العربية بهذه الأسماء هو كلاب الجد الخامس لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في عام 412م تقريبا، وشهر محرم سمي بذلك لأنه شهر محرم فيه القتال وسمي بذلك تأكيدا لحرمته.
فضل شهر الله المحرم؟
لقد عظم الله هذا الشهر فأضافه إلى نفسه إضافة تشريف وتعظيم وهذا يدل على مكانته وعلو منزلته، وقال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ َلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}، ومحرم من الأشهر الحرم قال النبي صلى الله عليه وسلم: “السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) البخاري.
وقال القرطبي رحمه الله: خص الله تعالى الأربعة الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفا لها.
فضل صيامه
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم” مسلم.
قال أبو عثمان النهدي رحمه الله: كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم.
فضل صيام عاشوراء
وفيه مسائل:
- عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم كما قال القرطبي وغيره.
- كان صيام عاشوراء مفروضا على الأمة في صدر الإسلام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى.
قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه” رواه البخاري.
وهذا يدل على فضله حيث كان يصومه اليهود كما في هذا الحديث بل في رواية أخرى حتى أهل الجاهلية كانوا يصومون هذا اليوم كما في البخاري ومسلم فلما فرض رمضان نسخ فرضه وبقي استحبابه.
قال ابن حجر رحمه الله: نقل ابن عبد البر -رحمه الله- الإجماع على أنه الآن ليس بفرض، والإجماع على أنه مستحب”. - قال النبي صلى الله عليه وسلم: “صيام عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله” رواه مسلم.
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن صيام يوم عاشوراء فقال: “ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ولا شهرا إلا هذا الشهر يعني رمضان” رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية الطبراني رحمه الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يكن يتوخى فضل يوم على يوم بعد رمضان إلا عاشوراء. صحيح الترغيب والترهيب.
قال ابن حجر رحمه الله: صيام عاشوراء ثلاث مراتب:
أدناها أن يصام وحده.
وفوقه: أن يصام التاسع والعاشر.
وفوقه: أن يصام التاسع والحادي عشر أي مع العاشر.
ودليل المرتبة الأولى: فضل صيام اليوم العاشر مطلقا دون ذكر لصيام يوم قبله أو بعده..
ودليل المرتبة الثانية: قول النبي صلى اله عليه وسلم: “لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع” رواه مسلم.
ودليل المرتبة الثالثة: “خالفوا اليهود صوموا يوما قبله ويوما بعده” رواه البيهقي وسنده ضعيف.
قال ابن قيم رحمه الله: وأما إفراد التاسع فمن نقص في فهم الآثار وعدم تتبع ألفاظها وطرقها وهو بعيد من اللغة والشرع .