لماذا اخترنا الملف؟

الأيام الماضية كانت حبلى بأحداث كبرى تهم المنطقة العربية، فقد قُسمت دولة السودان إلى دولتين، وسقط كل من الرئيس زين العابدين بن علي وحسني مبارك من سدة الحكم جراء انتفاضات شعبية واسعة؛ واندلعت مظاهرات واسعة في الجزائر؛ ونشبت مشاكل حادة بين الشيعة والسنة في لبنان تمخض عنها قرار استقالة عشرة وزراء من حكومة سعد الحريري؛ وفجرت كنيسة في مصر أدخلت البلد قبل سقوط النظام في متاهات وصراع هو في غنى عنها، واشتدت أزمة الأوضاع الأمنية في اليمن بسبب مشاكل الحوثيين والحراك الجنوبي وتمرده على السلطة، أما في فلسطين فلا زال الصهاينة الإرهابيون يسطون على مزيد من الأراضي يبنون عليها مستوطناتهم؛ والأوضاع في قطاع غزة تنذر باندلاع عدوان جديد على سكان القطاع.
أحداث كثيرة ومتسارعة يعقب بعضها بعضا؛ تبعث على الشك والريبة!!!
فالذي يقرأ الأحداث قراءة سطحية يقف في تحليله عند عتبة معاناة الشعوب وعدم قدرتها على تحمل المزيد من الضغط والذل والهوان المسلط عليها من طرف بعض الأنظمة العربية الحاكمة؛ وهو كلام صحيح في الجملة؛ إلا أنه لا ينبغي أبدا أن نقف في تحليلنا عند هذا المستوى؛ بل يجب أن نلملم أطراف الموضوع ونجمع كل المعلومات التي يمكننا أن نصل إليها ولها علاقة بالأحداث؛ حتى نخلص في النهاية إلى نتائج صحيحة وتوقعات دقيقة.
فنحن نعلم أن حكومة أمريكا الحالية تعمل على القيام بدورها وما يتوجب عليها في مرحلة ولايتها من تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد أو الشرق الأوسط الكبير كما روج له الرئيس الأمريكي الراحل بوش الصغير؛ وأركان حربه؛ على رأسهم نائبه ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ووزيرة الخارجية كونداليزا رايس وغيرهم، وفحوى هذا المشروع تتبلور في عملية مزدوجة لتفكيك وإعادة تركيب دول المنطقة بإجراء تقسيمات وتخطيطات جديدة تعيد رسم خرائطها على النحو الذي يضمن المصالح العليا الأمريكية، وفي مقدمتها أمن وسلامة دولة الكيان الصهيوني.
فمشروع الشرق الأوسط الكبير هو عملية فك وتركيب لكيان المنطقة العربية.. عملية تطال البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية برمتها، وتهدف إلى إعادة تشكيل العقل العربي، وصياغة الإنسان المسلم والعربي وفق معيار أمريكي.
فإذا كان استخدام الحرب في العراق هو وسيلة التغيير من أعلى، فإن مشروع الإصلاح الأمريكي المطروح هو بمثابة وسيلة لتغيير النظم من أسفل، وهي نفس الطريقة التي اتبعت لزلزلة النظام السوفيتي السابق، فعندما حاول جورباتشوف إصلاحه أدى ذلك إلى انهياره وتفككه، فعملية الإصلاح إن لم يتم إدارتها بجدية، فقد تؤدي إلى حالة انهيار وفوضى. (مشروع الشرق أعلى مراحل التبعية).
ويرى المراقبون والمختصون أنه بقدر ما عجزت الحكومات العربية عن الاستفادة من التشخيص الذي قدمته تقارير التنمية، ولم تعمل على إجراء إصلاحات جوهرية وشاملة، فإن القوى الخارجية ستجد ضالتها لاستغلال الوضع لصالحها.
فالسياسة الخارجية الأمريكية والغربية على العموم لا تقوم إلا على المصالح؛ والمتابع لمجريات تاريخ السياسة الأمريكية الخارجية يتبين له بأنها أطاحت بالكثير من الأنظمة المنتخبة خلال الحرب الباردة، كما حدث مع حكومة السلفادور اللينوي في تشيلي في سبتمبر 1973 وغيرها وصولا إلى التغييرات قريبة العهد التي فصمت الباكستان؛ وقسمت العراق؛ وقسمت السودان، وصولا إلى ما جرى ويجري في تونس ومصر..
نعم ثمة مشاكل عديدة وكثيرة في العالم العربي؛ ثمة ظلم وبغي و”الله يقيم الدَّولة العادلة وإن كانت كافِرة، ولا يقيم الظالـمة وإن كانت مسلمة” كما نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى؛ ثمة أمورا تتطلب حلولا آنية وإصلاحات جذرية؛ لكن كفانا من الضحك على الذقون؛ والاستهتار بأرواح وممتلكات الناس؛ كفانا من المعالجات السطحية التي لا تمس الأمور الرئيسية والجوهرية التي أسهمت في تخذيل الأمة وتركيعها للعدو؛ كفانا من عدم الالتفات إلى التاريخ والاستفادة من التجارب السابقة.
فماذا تمخض عن الثورة المصرية؛ مثلا؟
لقد ظهرت الأحزاب العلمانية والحركات النصرانية وهي تعمل بخطى حثيثة وشكل منظم لتتولى إدارة الثورة وتحصد نتائجها؛ فلجنة “حكماء الثورة المصرية” لا تضم بين أعضائها سوى شخصيتين ينتسبان إلى الحركة الإسلامية المصرية في حين معظم باقي أفراد اللجنة من الفصيل العلماني أو النصراني كأحمد زويل وعمرو موسى ومحمد البرادعي والملياردير القبطي الشهير نجيب ساويرس، والمهندس إبراهيم المعلم ناشر جريدة (الشروق)، والدكتور عمرو حمزاوي، وعبد العزيز عمر، ونبيل العربي وغيرهم.
وقد أصبح هؤلاء مع أمناء الأحزاب العلمانية هم عمليا القادة الفكريين للمظاهرة؛ وهم من تنقل وتتحدث وسائل الإعلام عن أنبائهم وقراراتهم؛ وإن كانوا يقولون عن أنفسهم: إنا لا نُمَثل أحداً!!!
ولتجلية الصورة أكثر حول هذا الملف الحرج والحساس؛ وتسليط الضوء على بعض جوانبه المظلمة؛ ارتأت جريدة السبيل فتح هذا الملف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *