تونس: ردود فعل ضعيفة من الزيتونيين والحركيين وغياب تام لصوت السلفيين
لا أثر لأي رد فعل من طرف القوى المحافظة والإسلامية التونسية بشتى مدارسها وتياراتها، على قرار تغيير أحكام الإرث، فباستثناء بعض أصوات شيوخ الزيتونة، الرافضين لهذا المشروع، واعتزام نواب حركة النهضة عدم التصويت عليه. لم يظهر أي صوت واضح لغيرهم من التيارات الأخرى، وعلى رأسها التيار المدخلي، وباقي التيارات السلفية.
فقد نددت “التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية العادلة”، بما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية، داعية إلى سحبه وإلغائه بسبب ما اعتبرته مخالفة صريحة لأحكام القرآن والسنة، وحذّر رئيس التنسيقية الشيخ شهاب الدين تليش من المصادقة على مشروع قانون المساواة في الميراث، “رغم الرفض الشعبي له وإقرار الدستور التونسي بحماية الدولة للمقدسات”. وشدد على أن التنسيقية سيكون لها تحرك احتجاجي في عموم البلاد، لحث النواب على عدم التصويت على مشروع القانون المخالف لصريح القرآن والسنة، متوعدا بمعاقبة الأحزاب التي تصوت لصالح القانون بإصدار توصية للتونسيين بعدم التصويت لها في الانتخابات التشريعية القادمة.
واستبعد النائب عن كتلة حركة النهضة الحبيب خضر أن يحظى المشروع بتصويت غالبية النواب، بسبب الجدل الدائر حوله وكون التصويت عليه سيدفع إلى توتير الأجواء وتقسيم التونسيين.
مصر: إدانة واسعة من طرف كل التوجهات الإسلامية الرسمية والمستقلة
في مصر كان التفاعل أكبر، والرافضين للقانون أكبر، من مختلف التيارات والتوجهات، المستقلة والرسمية، السلفية والصوفية، بل حتى المحسوبة على السيسي كعلي جمعة.
فقد حسمت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية الجدل الإعلامي حول المساواة بين الرجال والنساء في الميراث، والذي اندلع على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام المصرية، على خلفية إقرار الحكومة التونسية مؤخرا قانون المساواة في الميراث.
وقالت هيئة كبار العلماء -في بيان صدر الإثنين الماضي- إنها تتصدى لهذه القضية “انطلاقا من المسؤولية الدينية التي اضطلع بها الأزهر الشريف منذُ أكثر من ألف عام إزاء قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وحرصا على بيان الحقائق الشرعية ناصعة أمام جماهير المسلمين في العالم كله”.
وأضاف البيان “من تلك القضايا التي زاد فيها تجاوز المضللين بغير علم في ثوابت قطعية معلومة من الدين بالضرورة، ومن تقسيم القرآن الكريم المُحكَم للمواريث، خصوصا فيما يتعلق بنصيب المرأة فيه، والذي ورد في آيتين مُحكَمتين من كتاب الله المجيد في سورة النساء، وهو أمر تجاوزت فيه حملة التشنيع الجائرة على الشريعة كل حدود العقل والإنصاف”.
وأوضح البيان أن الأزهر أكد قبل ذلك مرات عديدة أن هذا النوع من الأحكام لا يقبل الخوض فيه بخيالات جامحة وأُطروحات تصادم القواعد والمحكَمات، ولا تستند إلى علم صحيح، فهذا الخوض بالباطل من شأنه أن يستفز الجماهير المسلمة المتمسكة بدينها، ويفتح الباب لضرب استقرار المجتمعات، وفي هذا من الفساد ما لا يخفى، ولا نتمناه لأحد أبدا.
وحذر الأزهر “المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من هذه الفتنة ومن دعاتها، رافضا رفضا قاطعا أي محاولة للمساس -من قريب أو بعيد- بعقائد المسلمين وأحكام شريعتهم، أو العبث بها”.
من جهته انتقد مفتي مصر السابق، تصريحات أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، سعد الدين الهلالي، بخصوص تأييده لتطبيق المساواة في الميراث في الجنسين في مصر سيرًا على خطى تونس.
وقال علي جمعة خلال لقاء تلفزي، الأحد الماضي، إن المشكلة الأساسية لدى الهلالي تتمثل في أنه تكلم في أمر ناقض نفسه فيه، معتبرا أن ما ذهب إليه أستاذ الفقه المقارن، من الناحية العلمية كلام مركب، لا يؤدي إلى نتيجة”.
ووصف مفتي مصر الأسبق، تونس بأنھا بلد غير إسلامی، مدللا على ذلك بأن دستورها لا ینص على أنھا دولة إسلامیة في المقام الأول، مضيفا أنّ “النظام في تونس أصلا لیس مسلما، ولا یعترف بأن الدین الرسمي ھو الإسلام، ولذلك یرید أن یعیش خارج نطاق الإسلام شأنھا شأن أي دولة في العالم تعیش بلا دین”.
وواصل علي جمعة هجومه قائلا: “تونس منذ أیام الرئیس الأسبق الحبیب بورقیبة، قد اتخذت ھذا النھج عند إنشاء مجلة الأحوال الشخصیة التي حرموا فیھا تعدد الزوجات”.
وقال الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الدكتور عباس شومان “لقد علم الله أزلا أن ما يقال في شأن المواريث الآن سيقال، فجاءت الآيات الكريمة مُحكمة لم تترك مجالا لهذا العبث الذي يطلق عليه البعض تطورا فقهيا”.
وتابع شومان على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “لم نسمع لا في المواريث ولا في غيرها أن حقوق الناس يجوز لغيرهم -من حكومات أو علماء- أن يتدخلوا فيها نيابة عنهم، فإن كان رب العزة لا يسقط حقوق العباد إلا بقبولهم إسقاطها، فكيف يكون للبشر التدخل في حقوق البشر التي بيّنها رب العزة بآيات محكمات”.
وقال مفتي مصر الحالي، الشيخ شوقي علّام، إن المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة أمر مخالف للشريعة الإسلامية وإجماع العلماء على مر العصور.
وأضاف “لا اجتهاد في النصوص التي هي قطعية الدلالة قطعية الثبوت بدعوى تغيُّر السياق الثَّقافي الذي تعيشه الدول والمجتمعات الآن مثلما يدعي البعض؛ إذ إنَّ تلك النصوص المقطوع بدلالتها وثبوتها تُعد من ثوابت الشريعة، فالقرآن الكريم قطعيُّ الثبوت من ناحية آياته، وهو يشمل آيات كثيرة دَلالتها قطعية لا شك فيها، ولا تحتمل ألفاظها إلا معنًى واحدًا ينبغي أن تُحملَ عليه، والاجتهاد في مثل تلك الحالات يؤدي إلى زعزعة الثوابت التي أرساها الإسلام”.
وفتح التيار السلفي النار على الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر لتأييده قرار الرئيس التونسي الباجي السبسي بمساواة الرجل بالمرأة في الميراث واعتماد القانون المنظم للميراث بهذا الشكل.
ومن ضمن المهاجمين السلفيين أيضا، الداعية السلفي حسين مطاوع الذي قال عنه نصا: كعادته لم يشأ الدكتور/ سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر إلا أن يثبت ظننا فيه!!، فالرجل يأبى إلا أن يورد نفسه المهالك، وطامته اليوم ليست طعنا في منهج من المناهج، أو في حديث من الأحاديث النبوية، أو في راو من الرواة، بل ليست طامته هذه المرة هي التشكيك في السنة ونقلتها فما أكثر ما شكك في هذا !!
وأضاف في تصريحات صحفية له: “الرجل هذه المرة يشكك صراحة ويعطل نصا قرآنيا صريحا قطعي الدلالة والثبوت وهو الخاص بنصيب المرأة من الميراث وهو على النصف من الرجل زاعما أن هذا من الحقوق وليس من الواجبات وعليه؛ فلصاحب الحق أن يعطيه كما شاء بالنسبة التي يشاء وبهذا يكون ما اتخذته الدولة التونسية من سنها قانونا يساوي بين الجنسين في الميراث قرارا صحيحا وغير مخالف لشرع الله حسبما زعم الهلالي !!”
من جانبها، أشادت حركة دافع السلفية بقرار جامعة الأزهر بالتبرؤ من دكتور سعد الدين الهلالي، لرأيه المؤيد لقانون الميراث الذي أقره الرئيس التونسي.
وقالت الحركة في بيان لها: “تبرّأت جامعة الأزهر من فتوى أستاذ الفقه المقارن بالجامعة الدكتور سعد الدين الهلالي، بشأن المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وقال المتحدث باسم الجامعة إن الهلالي لا يمثل إلا نفسه وما قاله يخالف نص القرآن ومنهج الأزهر، ولهذا نشكرهم شكرا جزيلا على موقفهم”.
“الدعوة السلفية” أصدرت بيانا، بشأن إصرار الرئيس والحكومة في “تونس” على تبديل الشريعة في شأن “الميراث” جاء فيه:
وهذا ينطبق على ما عُرف بـ”لجنة الحقوق الفردية والحريات” في “تونس”، الذين هم مِن جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ولكن قلوبهم امتلأت بتعظيم القانون الفرنسي والثقافة الفرنسية! وقلَّ حياؤهم مِن الله، ومِن الناس؛ فاستدركوا على شرعه، وسموا شريعته في الميراث: “قانون اللا مساواة!”، وسموا شريعتهم: “شريعة المساواة”؛ تلك الشريعة التي زخرفها لهم شيطانهم، كما قال -تعالى-: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الشورى:21)، بل لم يكتفوا بذلك حتى جعلوا شريعتهم الشيطانية أصلًا، وجعلوا شريعة الله -عز وجل- استثناءً.
وأضاف البيان: وقد انتقى “الرئيس التونسي” مِن هذا المستنقع مسألتين، هما:
– مساواة المرأة بالرجلِ في الميراثِ
– مسألةُ إباحة زواج المسلمة مِن الكافر
ظن بهما أن يمرا دون بقية الموبقات اللاتي وردن في تقرير لجنته؛ فإذا بـ”علماء الأزهر” و”علماء الزيتونة” يعلنون “وبوضوحٍ”: أن هذه أمور معلومة مِن الدين بالضرورة، وردت في أدلةٍ قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وأجمعت الأمة عليها، وانتشر حكمها بيْن العام والخاص، والقاصي والداني، وأولئك يحكمون على أنفسهم بأنهم أرادوا التحاكم إلى الطاغوت الفرنسي، وأنهم إذا قيل لهم: “تعالوا إلى شرع الله”، قالوا: “لا شأن لنا بالقرآن، ولا بأحكام القرآن!”، وقالوا: “نحن دولة مدنية”، وقالوا… وقالوا…
وختم البيان بالقول: والقانون الآن سوف يُعرض على البرلمان التونسي، والأمل معقود عليهم أن يتصرفوا بمقتضى إسلامهم حتى لا يكونوا كهؤلاء الذين قال الله -تعالى- فيهم: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (الزخرف:54).
ونخوفهم بقوله -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة:44).
وبما أجمع عليه أهل العلم مِن كفر مَن أنكر معلومًا مِن الدين بالضرورة، ومِن ذلك قول الإمام السيوطي -رحمه الله تعالى-: “مُنْكِرُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ أَقْسَامٌ: أَحَدُهَا: مَا نُكَفِّرُهُ قَطْعًا، وَهُوَ مَا فِيهِ نَصٌّ، وَعُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، بِأَنْ كَانَ مِنْ أُمُورِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَة، الَّتِي يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتهَا الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ، كَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَتَحْرِيم الزِّنَا، وَنَحْوِهِ… ” (الأشباه والنظائر).
بقية العالم الإسلامي: موقف يتيم غير رسمي من الكويت
قال وزير العدل والأوقاف الكويتي السابق ورئيس الرقابة الشرعية لعدد من البنوك والمصارف، الشيخ د. نايف بن محمد العجمي، أن الحكومة التونسية صدمت العالم الإسلامي حينما أقرت قانون المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى، معتبرا الخطوة قانونا آثما.
وأضاف في شريط مصور، أن هذه الخطوة ما هي إلا تطبيق للمذهب الاستشراقي، واستجابة للفكر التغريبي الليبرالي، اللذان مافتئ مفكروهما ينادون بإنصاف المرأة من ظلم الإسلام لها.
وقال أن العصرانيين العرب كنصر حامد أبو زيد وحسن حنفي، وافقوا هذا الاتجاه، وأضافوا أن القرآن نص تاريخي ينبغي إعادة قراءته، وأن يفسر وفقا لمتغيرات الزمن، وأكد أن أحكام المواريث قطعية، لا يجوز فيها الاجتهاد، من أي شخص كائنا من كان، لأن الله هو الذي تولى قسمتها، واعتبر المتحدث أن الاجتهاد في أحكام المواريث القطعية، هو اتهام لرب العالمين بالظلم، وأنه استدراك وافتئات عليه.