من فقه البيوع أحكام المال الحرام حكم المال المكتسب قبل الإسلام الحلقة السادسة

قد يكتسب المرء قبل إسلامه أموالا من وجوه محرمة، ثم يسلم وهي تحت يده، فما حكم هذا المال؟ هل يلزم المكلف بعد إسلامه أن يتخلص منه بإنفاقه في مصارفه الشرعية كما هو شأن المال الحرام المكتسب في الإسلام؟ أم أنه حلال لحائزه باعتبار أن أحكام الإسلام لم تسر عليه؟
والجواب أن يقال:
إن المكال الحرام المكتسب قبل الإسلام لا يخلو من حالين:
– أحدهما: أن يكون المسلم قد قبض جميع ما عقد عليه من مال حرام حال كفره.
– الحال الثانية: أن يكون المسلم قد دخل في الإسلام ولم يقبض ما ثبت له من مال حال كفره.
وسنعرض في هذه الحلقة للكلام عن الحال الأولى.
حكم المال الحرام المكتسب قبل الإسلام إذا تم القبض
الذي عليه أهل العلم[1] أن الأموال التي حازها الكفار بمعاملات محرمة وعقود غير مشروعة، وكانوا قد أسلموا عليها بعد القبض وإنفاذ العقد أنها حلال لهم ولا نحكم ببطلانها أو ردّها، سواء تعلقت هذه العقود بالأموال أو الفروج أو ضمان المتلفات التي أحدثوها في حروبهم مع المسلمين[2].
ومن الأدلة على ذلك:
قوله تعالى: (“فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ” البقرة 275، قال ابن كثير: (أي من بلغه نهي الله عن الربا فانتهى حال وصول الشرع إليه فإن ما سلف من المعاملة لقوله: (عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف) المائدة:95، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة[3]: (وكل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين وأول ربا أضع ربا العباس)، ولم يأمرهم بردّ الزيادات المأخوذة في الجاهلية، بل عفا عما سلف)[4]. وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن كان يتبايع بالربا إلا أن العلماء ألحقوا بها في الحكم ما اكتسبه المرء قبل إسلامه من وجوه محرمة.
وكذلك استدل أهل العلم بقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ” البقرة 278-279.، قال الفخر الرازي: (اعلم أن هذه الآية أصل كبير في أحكام الكفار إذا أسلموا، وذلك لأن ما مضى في وقت الكفر فإنه يبقى ولا ينقضي ولا ينفسخ وما لا يجوز من شيء في حال الكفر فحكمه محمول على الإسلام)[5].
قال الجصاص في تفسيرها: (وفيها الدلالة على أن العقود الواقعة في دار الحرب إذا ظهر عليها الإمام لا يعترض عليها بالفسخ وإن كانت معقودة على الفساد، لأنه معلوم أنه قد كان بين نزول الآية وبين خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه الربا الذي لم يكن مقبوضا عقود من عقود الربا بمكـة قبل الفتح، ولم يتعقبها بالفسخ ولم يميز ما كان منها قبل نزول الآية ممّا كان منها بعد نزولها، فدل ذلك على أن العقود الواقعة فـي دار الحرب بينهم وبين المسلمين إذا ظهر عليها الإمام لا يفسخ منها ما كـان مقبوضا)[6].
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: (وكان المشركون يعمدون إلى من هاجر من المسلمين ولحق بالمدينة فيستولون على داره وعقاره، فمضت السنة أن الكفار المحاربين إذا أسلموا، لم يضمنوا ما أتلفوه على المسلمين من نفس أو مال، ولم يردوا عليهم أموالهم التي غصبوها عليهم ، بل من أسلم على شيء فهو له، هذا حكمه وقضاؤه
صلى الله عليه وسلم)[7].

[1]– انظر الأم للشافعي (7/282-283)، اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 265، الذخيرة للقرافي (13/320).
[2]– أي أنهم لا يكلفون بضمان ما أتلفوه على المسلمين في حروبهم معهم من نفس أو مال، أحكام المال الحرام لعباس الباز (121-127).
[3]– قال محقق عمدة التفسير: وهم ابن كثير رحمه الله فإن هذا لم يكن يوم تح مكة بل كان في حجة الوداع في خطبة عرفة..
[4]– عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير للعلامة أحمد شاكر إعداد أنور الباز (1/295).
[5]– التفسير الكبير (7/98).
[6]– أحكام القرآن (1/570-571).
[7]– زاد المعاد (5/70).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *