هل هدف الديمقراطية كأس وغانية؟ ذ.الحسن العسال

بعد الثورات العربية ظهرت حقيقة ديمقراطية متطرفي بني علمان لمن لا يعرفهم، فمن المغرب إلى مصر،  لاهمَّ لهُم إلا كأس وغانية، مع بعض التفاوت في الحدة، لأنهم أجمعوا على الدفاع باستماتة منقطعة النظير عن خمرة مسكرة، وامرأة عارية، ليتضح مستوى أفكارهم، ويظهر أن أقصى ما يهتمون به هو شهواتهم وملذاتهم العفنة، وليس أبدا مصالح الشعوب التي ينتمون إليها.
لقد أفلس بنو علمان، وكُشِفَتْ سوءاتهم “الهوياتية”،  وسفورهم الفكري الذي تمخض عن ثورة عارية،  كانت من ثمرات “إبداعهم” العلماني،  حيث أتتنا أخبار متلاحقة،  أصبح الشباب يتنادرون بها، عن فتيات نزعن حجاب الحياء عن نفوسهن، فتعرين أمام الملأ وعلى رؤوس الأشهاد.
فهذه “علياء المهدي” من مصر تعرت على الشبكة العنكبوتية، وتلك “لطيفة بوستة” من تونس تعرت على غلاف إحدى المجلات،  وقبلهما تعرت “لطيفة أحرار” على خشبة المسرح،  و”نادية كوند” على شاشة السينما، وكلاهما من المغرب.
فمنهن من اعتبرت تعريها نوعا من الثورة! وأخرى لم تجد غضاضة ولا عيبا في ذلك! وثالثة تؤكد على أنها تلقت التهاني على كشف عورتها! ورابعة لا تعتبر نفسها تعرت! ولو أنها لم تبق إلا بالتبان والصدرية! هذا نتاج أفكار بني علمان العارية من كل قيم الحياء والعفة.
وفي نفس السياق دعت إحدى الجرائد العارية فكريا،  والسافرة أخلاقيا، ما سمتها الحكومة الملتحية، من حقدها،  أن تكون لها “الجرأة” لتقنين البغاء، وتخصص له مكانا محددا، وتخضع البغايا للمراقبة الطبية!!
“أشفقت” الجريدةعلى البغايا، ولم تشفق على النساء المحاصرات في أصقاع جبال الأطلس طيلة فصل الشتاء، واللواتي لا يجدن من يولدهن، أو يرعاهن طبيا، لأن الأولوية لشهوات بني علمان، التي يجب أن تصرف لها أموال الدولة، وتعقد لها المؤتمرات والندوات!
والبقية تأتي، ليشبع بنو علمان شبقهم، ويغذوا نفوسهم المريضة بمشاهد العري، دفاعا عن “خير” البلاد والعباد، وأملا في “التنمية”، وصونا “لكرامة” المرأة، ودفاعا عن “حقوقها”، عفوا عن “حقوقهم” في النظرة الحرام، والمتعة الحرام!
ما لكم كيف تحكمون؟!
أم أننا يلزم أن نقبل بأن هذا العهر والخنا والفجور ما هو إلا إبداع، وحرية، وتصالح مع الجسد، وثورة على الواقع!
وفي إطار المزايدات يصدعون رؤوسنا بالحديث عن البرامج، واتهام الخصوم الإسلاميين بانعدام البرامج عندهم. إلا أن الثورات العربية كشفت عن نوعية برامجهم، وعن عبقرية العري التي سيتمخض عنها تَطَوُّرُنا!
أقامت قنواتهم حالة الطوارئ على الكأس والغانية، وكانت أسئلتهم للإسلاميين ليست عن البرامج، بل عن سكر وفتيات عاريات، وعن موقف الحكام المحتملين من لقاءات غير شرعية بين ذكر وأنثى، بدعوى “الغيرة” على حماية الحريات.
ولأنهم مُنُوا بهزيمة نكراء من المحيط إلى البحر الأحمر، ولأنهم لا مبادئ لهم، ولا يقرون على قرار، فبعد أن نبزوا الإسلاميين ولمزوهم بالسلبية والعدمية، عندما كانوا خارج العملية السياسية، رموهم بعد الدخول فيها، عن قوس واحدة، باستغلال الدين في السياسة، وكأني بهم لا يفهمون ما معنى الإسلام، مادام أن أيا من العلماء المعتبرين، قديما وحديثا، لم يقل إن السياسة ليست من الإسلام في شيء، خلا علي عبد الرازق المطرود من الأزهر. أو ربما طبقوا المنطق الأرسطي، الذي يحمل نتائجه في مقدماته، حيث يقول لسان حالهم: البوذية دين، البوذية لا سياسة فيها، الإسلام دين، إذن الإسلام لا سياسة فيه!
لكن، لماذا يريدون تجريد الإسلاميين، وهم يمارسون السياسة، من دينهم؟
لأنهم يعلمون علم اليقين أن الإسلام أقوى من أفكارهم الوضعية. هم يدخلون بعلمانيتهم وحداثتهم في مفاصل حياتنا، والإسلاميون عليهم خلع إسلامهم عند باب السياسة!
لا أدري كيف يفكرون؟
يصادرون قناعاتك، ثم يسمحون لك بالدخول، كساع إلى الهيجا بدون سلاح، بدعوى أن “إدخال” الدين في السياسة هو إدخال للمقدس في المدنس، وهذا اعتراف آخر منهم أن الإسلام مقدس، وأن سياستهم مدنسة.
ومحاولتهم المستميتة “لتحييد” الدين عن السياسة، تُنَاقِض مبدأ الاختلاف الذي “يؤمنون” به، والذي يقول في حالتنا هذه: إن هذه نظرتهم الخاصة للأمور، التي ينبغي ألا يفرضوها على مخالفيهم. وإلا ففرضها عجز منهم، واعتراف بالهزيمة الفكرية، ورغبة في الاستئصال الفكري، المتمثل في فرض إقصاء الدين من المقارعة الفكرية، أي تجريد المتدينين من سلاحهم، وهذا عجيب منهم!
وما أكثر طرائفهم، لأنهم يدعون خصومهم إلى مساعدتهم على الانسلاخ من ذواتهم، مادام المتدين يعتبر نفسه لا يساوي شيئا بدون دين، ليتحول الصراع الفكري إلى صراع وجود، إما أن نكون أو لا نكون.
فلسان حالهم يقول: كي تكون و”تحاورنا”، عليك ألا تكون معنويا، عليك أن تفقد ما يميز ذاتك، بما هي ذات لا تنفك عن الإسلام، والإسلام لا ينفك عنها، وإلا استحالت ذاتا أخرى، لا علاقة لها بالذات الأصلية. ودليل هذه الدعوى يكمن في الحديث النبوي الشريف[1] الذي يؤكد على أن الفطرة الأصلية، المقصودُ بها الإسلام، في مقابل التحول الذي لن يكون إلا خروجا عن الفطرة.
أما قولهم إدخال الدين في السياسة، فكلمة إدخال هي الدخيلة على الدين، لأن السياسة من الدين، وليست خارجة عنه حتى ندخلها، كمن يقول: “إدخال الغرفة في البيت”، وما البيت إلا غرف، أما مفهومنا للسياسة، فهو السياسة الشرعية، وليست سياستهم المدنسة، المؤسسة على المبادئ الميكيافيلية.
إن بني علمان صدعوا رؤوسنا، أيضا، بأنهم لسان الشعب، والأوصياء على مصالحه؛ ونصبوا أنفسهم حماة الديمقراطية، والذائدين عن حياضها. لكن.. عندما لفظتهم صناديق الاقتراع التي طالما أحاطوها بهالة من القداسة، أصبح الإسلاميون مجرد “شعبويين”، والديمقراطية ملعونة، والشعب لازال غير ناضج لإنجاحها!
تقول:
هذا مجاج النحل تمدحه—وإن تشأ قلت: ذا قيء الزنانير
إذن، لما خانتهم صناديق الاقتراع، طفقوا يبحثون عن المخرج من ورطتهم، وعن حفظ ماء الوجه من هزيمتهم، فمنهم من التجأ واحتمى بما يسمى الديمقراطية التوافقية[2]، ومنهم من شرع ينظر لنبذ “ديكتاتورية الأغلبية”[3]، لتصبح الديمقراطية التي كانت عسلاً،  قيءَ الزنانير.
———————–
1- “كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه…الحديث”رواه البخاري.
2- والمقصود “بالديمقراطية التوافقية” هو أن يكون لكل طائفة نصيبها من كعكة الحكم بغض النظر عما أفرزته صناديق الاقتراع، كما هو الحال في لبنان، بمعنى أن يكون بنو علمان، على الرغم من هزيمتهم، هم سادة الشعوب وحكامها، لا لشيء إلا لأن رياح الديمقراطية، لم تجر بما يشتهون.
3- لم يطف هذا المفهوم على السطح إلا عندما بدأ بنو علمان يتحسسون مناصبهم، لأنهم، وهم الأقلية،  التي كانت تعتلي كراسي الحكم بفضل التزوير الممنهج، وتفرض تصوراتها وقيمها على الأغلبية الصامتة، بل وتهربها [التصورات والقيم] في جنح الظلام.أما وأن صناديق الاقتراع أنصفت لأول مرة، الأغلبية المستضعفة، فلا ينبغي أن تفرض تصوراتها، كما فعلت الأقلية العلمانية، بدعوى أن الديمقراطية لا تختزل في الأغلبية وصناديق الاقتراع. وهل الديمقراطية هي تزوير إرادة الشعب وفرض الأقلية لهيمنتها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *