تحدث العلماء والمفكرون والسياسيون والحقوقيون والإعلاميون، وكل الفعالين تقريبا حول القضية الفلسطينية، والأحداث الأخيرة التي عرفها المسجد الأقصى المبارك، واتفق معظم المتدخلين على أن التفاعل مع القضية الأولى للمسلمين لم يعد بالقوة التي كانت عليها، وذلك بسبب ما تمر به دول العالم الإسلامي من فترات عصيبة، سواء تعلق الأمر بالتدخل العسكري الغربي، كما هو الحال في سوريا والعراق، أو الاقتتال الداخلي كما يجري في ليبيا واليمن، أو النزاعات السياسية كما نتابع بمرارة في حصار دول الخليج لقطر، أو الانقلاب على إرادة واختيار الشعوب كما يتجلى بوضوح في مصر السيسي.
المثير فيما عرفه الأقصى في الأيام الأخيرة، أنه رغم شناعة ما أقدم عليه الكيان الصهيوني، وقساوة المشاهد، ومرارة الأحداث، إلا أن هذه الواقعة أحيت الأمة وضخت فيها دماء المقاومة من جديد، وإن بنسبة محدودة، لكنها كانت كافية لتوحيد جهود المخلصين والعاملين والغيورين على الأمة وقضاياها، سواء في شرق العالم الإسلامي أو غربه.
فمثل هذه الأحداث والمحطات كاشفة لصدق الصادقين ونفاق المخذلين، الذين لم يتوانوا في الدعوة إلى التطبيع مع الكيان الإرهابي، وتبرير جرائمه ومجازره في الضفة وغزة، ووصف دولته «إسرائيل» بـ«الدولة الحرة» وشعبه اللقيط بالـ«الشعب الحر»، وفي المقابل فأبناء المقاومة الفلسطينية أصحاب الحق والأرض فهم بالنسبة لهم: «قتلة ومتاجرون بالقضية الفلسطينية» بل «إرهابيون»!!!
الظاهر أن بعض أبناء جلدتنا ممن يتكلمون بألسنتنا ويكتبون بلغتنا الأم، قد تصهينوا أكثر من الصهاينة أنفسهم، وباتوا يعلنون دون أن يرف لهم جفن أن المعركة في فلسطين والقدس “معركة إنسانية من أجل وطن محتل ومن أجل حق كل الشعوب التي ترى في الأرض الفلسطينية والإسرائيلية أرضا لها في التعايش والعيش بسلام”!!!
يا له من سلام ذلك الذي بشرنا به منظرو الحركة الصهيونية وساستُها، سلام يستحل الدم والعرض والأرض، ويحرق الأخضر واليابس ليقيم دولة “إسرائيل الكبرى” الممتدة من النيل إلى الفرات.
ذلك السلام الذي قال فيه مؤسس ما يسمى بدولة “إسرائيل” دافيد بن جوريون في مقدمة كتاب “تاريخ الهاجاناه”: “من الواضح أن إنجلترا تعود للإنجليز، ومصر للمصريين، وفلسطين لليهود، وفي بلادنا هناك فقط مكان لليهود، وسوف نقول للعرب أخرجوا، فإذا لم يخرجوا وإذا قاوموا فسوف نخرجهم بالقوة”.
وقال بخصوصه مؤسس حزب الليكود “مناحم بيجين” في كتابه “الثورة”: “ينبغي عليكم أيها الإسرائيليون أن لا تلينوا أبدا عندما تقتلون أعدائكم، ينبغي أن لا تأخذكم بهم رحمة حتى ندمر ما يسمى بالثقافة العربية التي سنبني على أنقاضها حضارتنا”، وأضاف سادس رئيس وزراء “إسرائيل”: “الفلسطنيون مجرد صراصير يحب سحقها”.
وقد فسر لنا مفهوم السلام وشرحه بكل وضوح الحاخام “مائير كاهانا” مؤسّس حركة “كاخ” المتطرّفة، حين قال: “لذا فإن طردهم -أي عرب فلسطين- من البلاد هو عمل أكثر من كونه قضية أساسية، إنه موضوع ديني، وواجب ديني، أمر بإزالة المعصية، وبدلا من أن نخشى ردود فعل الغرباء إذا فعلنا ذلك يجب أن نرتدع خوفا من غضب الله، إذا لم نفعل ذلك ونطرد العرب سنواجه مأساة إذا لم نطرد العرب من البلاد، لذا هيا نطرد العرب من إسرائيل ونكون قد جلبنا الخلاص لأنفسنا” .
وحتى لا يظن أحد أن هذه أقوال قديمة، أو اختيارات لمتشددين ليس إلا، فهذا رئيس الوزراء الحالي للكيان الصهيوني بنيامين ناتنياهو يقول بالحرف في كتابه “مكان تحت الشمس”: “لا نؤمن بوسيلة سوى القوة والعنف والإرهاب الدموي بأبشع أشكاله من أجل تحقيق أهدافنا وأفكارنا ومعتقداتنا في أرض إسرائيل الكاملة أو في الدولة اليهودية أو في إسرائيل قوية مهيمنة على المنطقة”..
كم أتوق إلى تصديق ما تبشرنا به “حمائم العلمانية” من سلام ووئام على أرض القدس والجليل وفلسطين، لكني لا أحب الركون إلى الأماني وخطاب العواطف، ولا أستطيع تجاهل الحقائق، والقفز على التاريخ والواقع، فقد تعلمت تنظيرا وتنزيلا من “دافيد بن غوريون” و”مناحم بيجين” و”مائير كاهانا” و”بنيامين نتنياهو”.. أن المعركة في فلسطين معركة دينية محضة، وأن قتل اليهودي للفلسطيني واجب ديني لا يجب أن يتردد فيه يهودي ولا أن تأخذه بالمسلم رأفة ولا رحمة.
فهل سنسمع صوتا لمناهضي خطاب التطرف والكراهية؟!
وهل سينددون بهذا الخطاب العنصري ودعوات القتل والتهجير الجماعي للفلسطينيين من أرضهم؟!
أم أنهم لا يحبون أن يسمعوا مثل هذا الكلام عن “إسرائيل” الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة؟!