دور الإعلام العلماني في إشاعة الخيانة الزوجية إبراهيم بيدون

انتشرت الخيانة الزوجية انتشارا كبيرا حتى أضحت ظاهرة تؤرق العديد من الأسر والبيوتات، واستمرأتها بعض الأنفس المريضة حتى صارت تقترف هذه الكبيرة عن علم وقصد، وامتلأت المحاكم بملفاتها، وصارت صفحات الملحق القضائي في الجرائد الوطنية ملأى بأخبارها، واشتهرت فضائحها في الإقامات والأزقة والطرقات.

لا شك أن الأسباب الكامنة وراء انتشار هذا الورم الخبيث داخل مجتمعنا كثيرة ومتشعبة، لكني أقتصر في هذه الأسطر المعدودة على دور عامل بارز ذا أثر قوي في تذكية سعار هذه الكبيرة، ألا وهو الإعلام.
فما تقدمه السينما والتلفزة المغربية من أفلام ومسلسلات، وما تنشره الجرائد والمجلات من صور ومقالات وملفات، وما تذيعه أصوات الأثير من برامج ولقاءات، إضافة إلى اختراق النت للبيوتات والغرفات..، كلها وسائل تدفع المواطن -ولا شك- إلى الوقوع في براثن مثل هاته الموبقات.

دور القنوات والتلفاز الوطني
تعتبر الأفلام والمسلسلات التي تبث على القنوات الوطنية وغيرها مصدرا لنشر قيم مناقضة لقيم المجتمع المغربي المسلم، خاصة تلك التي تمجد المجتمع الغربي وتعمل على تطبيع قيمه المتفسخة المنحلة داخل مجتمعنا، وتشيع العلاقات المحرمة بين الذكر والأنثى بدعوى التحرر والحداثة.
فقد بنى الفيلم المغربي “سميرة في الضيعة” فكرته الأساسية على الخيانة الزوجية، والمسلسلات المكسيكية التي صارت تدبلج اليوم بالدارجة -إمعانا في تسهيل سبل الفساد وتقريبه من المواطنين- تبث يوميا قصص الخيانة الزوجية والعلاقات الجنسية المحرمة، والخطير في الأمر أن متابعة تلك الخيانات تولد لدى المشاهد تعاطفا مع أصحابها، خصوصا إذا كانوا من أبطال المسلسل أو الفيلم، فيتشرب المشاهد حب هذه المغامرات، ويستصغر حرمة هذه المنكرات، بل ويتعلم من تلك المشاهد طرقا ووسائل تسهل عليه العبث بأعراض الفارغات قلوبا من خوف الله عز وجل.
وإذا علمنا أن أكثر متتبعي تلك المسلسلات من النساء، فإن هذا الطابق الإعلامي الذي تقدمه مؤسسات إعلامية وطنية! يحرص من خلال حلقاته أن يقدم للمرأة المغربية وسيلة تكوين عن قرب، تتعلم منها طرقا شيطانية ومصائد إبليسية للإيقاع بالرجل، وكيفية الاحتيال عليه وإسقاطه في شباكها دون أن تلحقها تبعات جريمتها.

دور الإعلام المقروء
اشتهرت بعض المنابر الإعلامية العلمانية بتخصيص ملفات وصفحات ومواضيع عن الخيانة الزوجية، وعلى رأسها مجلة “نيشان” (ع:173)، وجريدة الأحداث المغربية، وجريدة الصباح..
وهذه المنابر الإعلامية العلمانية عندما تنشر مثل هذه الملفات لا تنشرها للقيام بنقد تصحيحي تربوي هادف، بل بحكم طريقة تناولها لتلك القضايا فهي تعرضها لإشاعة هاته الجرائم وترويجها، حيث تكثر من نقل شهادات واقعية لأبطالها، وتفسح لهم المجال ليعلنوا تمردهم على القيم والأخلاق والحياء، فيكون أول انطباع ينقدح في ذهن القارئ هو شيوع هذه الظاهرة الشاذة، الأمر الذي يؤسس لثقافة “إذا عمت هانت”.
فطريقة تناولها لهذا الملف ما هو في الواقع إلا تطبيع لكبيرة الخيانة الزوجية في المجتمع ونشر لأخبار الرذيلة، ولتوضيح ذلك ننقل مقتطفات من بعض الشهادات في ملف “الخيانة الزوجية” في مجلة “نيشان” (ع:173)، جاء فيه:
– “حين أقابل امرأة جميلة وأرى بأنه من الممكن أن نعيش معا تجربة ممتعة، لا أفكر في المبادئ والأخلاق..”.
– “حين أتحدث في الموضوع مع نساء أقمن علاقات مع رجال آخرين، ألاحظ أنهن جميعا على علم بخيانة أزواجهن..”.
– “في حين أني قابلت عدة نساء متزوجات يعتبرن خيانتهن لأزواجهن أمرا طبيعيا..”.
– “أفضل العلاقات مع نساء متزوجات لأنهن غير متطلبات..”.
– “لا أحب سوى زوجتي، لكن الجنس مع نساء أخريات يوفر لي متعة كبيرة..”.
هذه شهادات لرجال ونساء اغترفتها مجلة “نيشان” من مستنقع الخيانة الزوجية، يعترف فيها الخائنون بوقاحة ودون وازع ديني أو أخلاقي بجرائمهم التي لطخوا بها شرف العرض، وبهذا نعلم كيف يوظف الإعلام العلماني المقروء مثل هاته الشهادات -إن صحت- لترويج الخيانة الزوجية في المجتمع، وتصويرها على أنها صارت من الأفعال العادية غير الشاذة ولا المستنكرة، وإغراء القراء وتحبيبهم في خوض مثل هاته التجارب التي لا تعير اهتماما للحياء والأخلق والقيم.

دور الإذاعات وبرامجها الجنسية
تعمل بعض البرامج الإذاعية جاهدة على تكسير طابو الحديث عن الأمور الجنسية -بالمفهوم العلماني طبعا-، (برنامج إذاعة هيت راديو كمثال)، فموضوع الخيانة الزوجية على أثير بعض تلك الإذاعات حقيقة تروى لا بتحقيق صحفي أو إخراج سينمائي، بل بصوت الجاني نفسه، حيث يروي الجناة على أمواجها قصص خياناتهم مباشرة، ويحكون الأسباب التي جرتهم للوقوع في هاته الممارسة، وبعضهم يروي كل ذلك بلسان لا يستشعر أبدا مرارة المعصية..
وفي إذاعة “إم إف إم” صباح الجمعة 6 نونبر 2009، عبر أثير برنامج “قلوب مفتوحة” اتصلت امرأة لتفتح صفحة سوداء خطتها في حياتها مع زوج يكبرها بعشرين سنة، خانته مع صديق له عاما كاملا، مستسلمة لشهوتها الخائنة منقادة وراء وعود معسولة كاذبة.
ومن الملاحظات البارزة على مثل هاته البرامج تغييبها للمقاربة الشرعية في معالجة مثل هاته الظواهر، ليبقى البرنامج أيضا مجرد إشاعة للخيانة الزوجية وتجاربها القبيحة، وقد استمعت يوما لجزء كبير من برنامج “احض راسك أفلان..” الذي يبث على أثير إذاعة الرباط وكان موضوع الحلقة “الخيانة الزوجية”، فانتظرت أن يتم الاتصال بأحد الأئمة والمرشدين أو العلماء الربانيين لاستفسارهم حول الأسباب التي تقف وراء اتساع رقعة الخيانة الزوجية وحالات الزنا وزنا المحارم، وكيف يمكن الحد أو القضاء على هاته الظاهرة التي أخذت تتسع رقعتها يوما بعد يوم، لكن للأسف الشديد فإن العالم الشرعي في مثل هاته البرنامج قد تم استبداله بعالم الاجتماع الذي يحلل الظاهرة من منظور مادي ماركسي صرف.

ختاما
تلك كانت جولة سريعة وإطلالة عابرة عما تنشره بعض الوسائل الإعلامية من منتجات تسوق لإشاعة كبيرة الخيانة الزوجية؛ وتهوينها وتصغيرها في أعين الناس، وتعمل على نسف منظومة القيم والأخلاق التي تحقق الاطمئنان النفسي والترابط الأسري، فأين هم المسؤولون عن المراقبة الإعلامية والأمن الروحي والأخلاقي للمغاربة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *