ما السبيل إلى رحمة الله؟ محمد أبو الفتح

“إن الله غفور رحيم”، كلمةُ حقٍّ جرت على ألسنة الناسِ، خاصة أهل المعاصي منهم، فحفظوها عن ظهر قلب، حتى صارت شعارَهم الذي يرفعونه، وحجَّتَهم القاطعة التي يحتجون بها كلما وُِعظوا وذكروا بالله، وهي كلمة حق كما أسلفت، غير أنها كثيرا ما يراد بها باطل، ويَقصدُ أهل المعاصي بذكرها الإصرار على ما هم عليه من المعصية والاستكثار منها، غافلين أو متغافلين عن قوله تعالى:”إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”، فالله تعالى غفور رحيم، وشديد العقاب، ولا تعارض بين الأمرين، ولكن جعل الله لكل مقام مقالا، ولكل شيء سببا، فمن جاء بأسباب الرحمة نالته رحمة الله، ومن جاء بأسباب العقاب كان مستحقا له، وقد ذكر الله عز وجل في كتابه كثيرا من الأسباب المستجلبة لرحمته منها:
1- الإيمان بالله والاعتصام به: قال تعالى: “فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً” النساء.
2- تقوى الله: قال تعالى: “وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” الحجرات.
3- الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” الحديد.
4- الإيمان بكتاب الله: قال تعالى: “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ” الأعراف.
5- الاستماع للقرءان والإنصات له: قال تعالى: “وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” الأعراف.
6- العمل بكتاب الله: قال تعالى: “وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” الأنعام.
7- طاعة الله ورسوله: قال تعالى: “وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” آل عمران.
8- إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة: قال تعالى: “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” النور.
9- الإنفاق في سبيل الله: قال تعالى: “وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” التوبة.
10- الإحسان: قال تعالى: “إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ” الأعراف.
11- الجهاد في سبيل الله: قال تعالى: “الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ، يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ” التوبة.
12- الشهادة في سبيل الله: قال تعالى: “وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ” آل عمران.
13- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال تعالى: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” التوبة.
14- الصبر والاسترجاع عند المصيبة: قال تعالى: “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” البقرة.
15- الاستغفار: قال تعالى: “قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” النمل.
فمن كان يرجو رحمة الله حقا فليأت بأسبابها، ولا يتمن على الله الأماني، قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” البقرة.
فإن قيل: أولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ)، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: “ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة، سدِّدوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا” (متفق عليه)؟!
فالجواب: بلى، ولكن تأمل معي قوله: “سددوا..” ، فهو يدل على أن العمل مع ذلك لازم، كما يدل عليه قوله تعالى في أهل الجنة: “وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” الأعراف، فإذا جاء العبد بأسباب رحمة الله، فإن الله تعالى يدخله الجنة برحمته، ولولا رحمة الله ما بلَّغَهُ عملُه الجنة.
قال ابن القيم: “..فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد، وأنه لولا تغمد الله سبحانه لعبده برحمته لما أدخله الجنة، فليس عمل العبد وإن تناهى موجبا بمجرده لدخول الجنة ولا عوضا لها، فإن أعماله وإن وقعت منه على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه، فهي لا تقاوم نعمة الله التي أنعم بها عليه في دار الدنيا ولا تعادلها؛ بل لو حاسبه لوقعت أعماله كلها في مقابلة اليسير من نعمه، وتبقى بقية النعم مقتضية لشكرها، فلو عذبه في هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم له، ولو رحمه لكانت رحمته خيرا له من عمله” مفتاح دار السعادة 1/9.
فالعجب كل العجب من الذين يأتون بأسباب عذاب الله وعقابه ولعنته ويزعمون مع ذلك أنهم يرجون رحمته، فمثلهم كمثل الذي يرجو حصادا من غير زرع، أو ينتظر مولودا من غير نكاح، يسلكون سبيل جهنم ويتمنون أن يَخْرُجَ بهم إلى الجنة!
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا *** إِنَّ السَّفِينَةَ لاَ تَجْرِي عَلَى اليَبَسِ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *