حوار مع الشيخ حسن الكتاني أجرى الحوار : جلال اعويطا

بسم الله الرحمن الرحيم
س: بادئ ذي بدء نجدد التهنئة للشيخ حسن الكتاني على الفرج بعد الشدة، ونعبر عن سعادتنا لارتفاع الظلم عن المظلومين، سائلين الله عز وجل أن يعجل فك أسر باقي المظلومين في السجون؟
ج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد، فإني أشكر الإخوة في جريدة “السبيل” على جهودهم الكبيرة في الدعوة إلى الله، وتبيان الحق والذب على شعائر الدين، والرد على شبه المغرضين. كما أني أشكرهم على أن أتاحوا لي الفرصة للتواصل مع إخواني الذين أحبهم، وقد كانت هذه الجريدة المباركة أنيسي في وحدتي ورفيقي في غربتي.
س: ما هي ظروف وملابسات اعتقالكم وما صحة ما ينسب إليكم من تهم؟
ج: في حقيقة الأمر إن قرار اعتقالي كان جاهزا قبل وجود التهمة، ولذلك فإن التهمة بدأت صغيرة مضحكة ثم أخذت تكبر.
وقد بدأت مشاكلي منذ أن شاركت في التوقيع على فتوى علماء المغرب في تحريم المشاركة في الحلف على حرب ما سمي بالإرهاب، فمنعت من الخطابة والتدريس، وبعدها بحوالي سنة اتهمت بمخالفة المذهب المالكي، فكان أول استدعاء للمحكمة، وسببها أن مسجدي لم يكن يؤذن فيه ثلاث مرات يوم الجمعة كما لم يكن يقرأ فيه القرآن جماعة قبل صلاة الجمعة.
ثم ادعي أنني نظمت “معسكرا” في غابة المعمورة قرب سلا، والحال أني دعيت لنزهة معتادة من قبل جماعة من رواد المسجد الذي كنت أخطب فيه، وقد جرت العادة بمثل ذلك عندهم منذ سنوات طويلة.
فلما لم يمكنهم إثبات تلك التهم الزائفة أرادوا إقحامي في ملف ( يوسف فكري) الذي قتل وأخذ أموال الناس بحجة فسقهم أو كفرهم.
فلما أعياهم إثبات التهم الموجهة إلي، حيث كنت مسجونا بُعيد عيد الأضحى سنة 1423ﻫ (17 فبراير 2003 م) انتهزوا حادث تفجيرات الدار البيضاء (16 ماي) التي رغم استنكاري لها أقحموني فيها بعد حوالي شهر من حدوثها. وادعي أني منظر ومدرس منفذيها دونما حجة ولا برهان، اللهم إلا أن جماعة ممن اتهم فيها ادعوا أنهم حضروا درسا لي، مع أنه لم يقل أي أحد منهم أني أمرته أو حرضته على قتل الناس أو ترويع الآمنين. ومع هذا فجميع من ذكر اسمه أنه حضر دروسي أنكر ذلك كله ولكن القاضي أصر على اتهاماته الباطلة من غير دليل.
كما اتهمت بأني أنتمي إلى تيار السلفية الجهادية الذي يتهم بتكفير الحكام والمحكومين، وإرهاب الناس، ولا شك في كون هذا كله كذب وبهتان، وقد أثبتنا ذلك في مرافعتنا أمام القاضي وفي مؤلفاتنا، وأننا على منهاج أهل السنة والجماعة ولا نكفر أحدا بذنب ما لم يستحله، كما أننا على ضوابطهم في هذه الأبواب الخطيرة لا نخرج عنها. ونحن من أوسع الناس عذرا للمسلمين وتورعا عن دمائهم وأعراضهم، وقد ألفت في هذا مؤلفات عديدة بسطت مذهبي فيها تمام البسط منها: “الأجوبة الوفية على الأسئلة الزكية” وقد طبع ونشر على شبكة الانترنيت، و”مباحث في العذر بالجهل وإقامة الحجة”.
نعم، أيدنا الجهاد ضد الأعداء المحتلين لبلاد الإسلام لأنه أمر أجمع عليه أهل العلم وحتى غير المسلمين يقرون بالدفاع عن البلاد ضد أي محتل غاز.
والحق، أن القاضي الذي ظلمنا يعلم ذلك، ولذلك لم يكن يستطيع النظر في وجوهنا، كما أنه قال لنا بعد الحكم علينا: (أنا لم أحكم عليكم بملفكم هذا خاصة بل بالملف عامة!!) أي أننا حوسبنا بفعل غيرنا لمجرد المشاركة في التقعيد والمنهج وهذا أمر عجيب.
س: كيف كان استغلالكم لهذه السنوات التسع وما هو برنامجكم العلمي بالتفصيل لو سمحتم؟
ج: الحقيقة أن لكل فترة مزاياها وفوائدها خلال هذه السنوات التسع.
وقد أدخلنا أولا لسجن سلا مع سجناء الحق العام، فانشغلنا بدعوتهم إلى الله خاصة للصلاة وترك سب الدين، وشرعت في تدريسهم السيرة النبوية الشريفة.
ثم نقلنا ﻠ (غوانتانامو سلا) ذلك السجن الرهيب الذي جردنا فيه من كل شيء سوى ملابسنا الأساسية ومنعنا من المصاحف. ومع ذلك فقد تعبدنا لله تعالى واقتربنا منه، كما أننا لم نخل الأمر من دعوة موظفي السجن، بل وتدريس بعضهم حتى نَسَجنا علاقة صداقة معهم.
ثم نقلنا لسجن عين البرجة حيث سجنت مع الشيخين الحدوشي والفزازي في مرحاض، وبعد ذلك مع الشيخ أبي حفص وقد بدأوا بالسماح لنا بإدخال الكتب وكنا نقرأ الكتب سوية ونتحاور في العلوم والأفكار.
ثم نقلنا آخر رمضان سنة 1424ﻫ للسجن المركزي بالقنيطرة، وفيه بعد خوض إضراب عن الطعام تحسنت أحوالنا، وقرأنا فيه سوية موسوعة “سير أعلام النبلاء” للحافظ الذهبي، فكانت جلسات مباركة، وختمنا “صحيح البخاري” سوياً كذلك، وقرأنا الكثير وتذاكرنا، وكانت هناك أمسيات حلوة مع الشباب ودروس وولائم لمن تزوج منهم حديثا، وخططنا للنضال حتى نحل أزمتنا، ونظمنا أنفسنا لذلك مما كان له دور كبير في الإضراب الوطني سنة 1426ﻫ الذي نتج عنه إطلاق سراح 300 أخ من إخواننا وكاد الملف أن يغلق.
ثم نقلت ثانية لسلا، فانشغلت بالمطالعة، وختمت مجموعة فتاوى ابن تيمية مع كتب أخرى كثيرة، كما أني درست جماعة من الإخوة جملة من العلوم، وسميت مدرستي مدرسة يوسف عليه السلام، وجعلتها عدة درجات وكان فيها امتحانات في سائر العلوم الشرعية.
كما أنني خضت سجالات مع بعض الغلاة، ولذلك ألفت الكتابين الذين ذكرتهما وطلب مني بعضهم الإجازة “الدرر اللآلي في الإجازة للغوالي” وهو موجود على الشبكة العنكبوتية.
وراسلني من داخل السجن عدة إخوة مراسلات أرجو أن أجمعها في مؤلفات، وقرأت كتابا في ترجمة شيخنا العلامة التليدي –حفظه الله- فوجدت فيه هفوات فكتبت رسالة في مناقشة ما فيه، ونشرت ذلك في منتدى أهل الحديث.
وفي سنة 1428ﻫ نقلت لسجن عكاشة بالدار البيضاء لإعادة محاكمتي، فكان وضعي في حي الأجانب مفيدا لي إذ انشغلت بدراسة كتب أهل الكتاب، وتوسعت في ذلك حتى درست العبرانية، وتعلمت كتابتها وقراءتها وعقدت جلسة لمدارسة القرآن الكريم بالإنجليزية مع جماعة فيهم المسلم والنصراني واليهودي مع مقارنات لكتب أهل الكتاب، فدرسنا القرآن كاملا بترجمة الشيخ الهلالي، ثم أخرى بترجمة عبد الله يوسف علي وشرعنا في دراسة رياض الصالحين وقطعنا شوطا فيه.
وكذلك درست جماعة من المغاربة السيرة النبوية كاملة والأصول الثلاثة ومختصر الأخضري وغير ذلك من المتون.
وألفت رسالة لطيفة بعنوان “ذكر أسماء الأنبياء ومعانيها” وأخرى “الجواب عن إشكال من حرم الإضراب”، و”إظهار البشاشة بأجوبة سجن عكاشة” وهما منشوران على الشبكة.
ولما رجعت إلى سلا درست لإخواني “العقيدة الواسطية” ورسالة ابن أبي زيد القيرواني، ولبعضهم قرأنا “الموطأ” و”البخاري”.
أما مع معتقلي الحق العام فتدارسنا السيرة وقصص الأنبياء والأصول الثلاثة ومختصر الأخضري، كلها أكثر من مرة لعدة أشخاص، وكذلك التجديد درسه علي العديد من الناس. بفضل الله تعالى.
هذا فضلا عن المطالعة، فقد قرأت بفضل الله وكرمه كتبا كثيرة من سائر الفنون منها مجلدات ومنها كتب ورسائل، جمعتها في كتاب “ذكر ما قرأته في السجن من كتب” فبلغت 873 كتاب.
وقد شرعت في مؤلفات لم تكتمل بعد أهمها “شرح الرسالة القيروانية” أسأل الله أن يعين على إتمامها وكذلك “الأسرار الشريفة فيما لرسول الله في الكتب المقدسة من المكانة المنيفة”.
أسأل الله أن يجعل العمل خالصا لوجهه الكريم وينفع بهذا.
س: ما هي أبرز التجاوزات التي شاهدتموها وما هو توجيهكم الشرعي في قضايا من ينسبون إلى الغلو؟
ج: التجاوزات في السجن كثيرة أهمها ظلم المؤمنين وإرهابهم ومنع المصاحف في بعض الأوقات والتضييق على العبادات. ومن أشنعها سب الملة والدين بل والرب سبحانه وتعالى. وتعذيب الصالحين وإهانتهم.
وفي السجون مصائب كثيرة، وهي أشبه بمغرب مصغر فيه الرشوة والمحسوبية وأمور أخرى كثيرة.
ولو فتحت السجون للدعاة إلى الله لتغير حال الكثير من المجرمين. ولكن الأمر على عكس ذلك، وقد كنا ندعو إلى الله فنجد إقبالا من الناس، لكن الإدارة كانت تضيق علينا ولا تسمح بالدعوة إلى الله!!
أما الغلو في الدين فهو موجود، لكنه قليل بالنسبة للغالبية من الإخوة، وقد ناقشنا الغلاة علميا فوجدنا بحمد الله استجابة، ولكن لم يترك لنا مجال لذلك، ولست أدري سبب هذا التضييق، فإن الشباب يحبون دينهم وفيهم كثير ممن استقام حديثا فهو أحوج لمن يأخذ بيده لا لمن يعذبه ويرهبه ويطيل سجنه.
س: لقد مر على خروجكم ما يقارب الشهر فما هي رؤيتكم للعمل الدعوي مستقبلا على المستوى الشخصي وعلى مستوى العمل الدعوي؟
ج: أظن أنه بعد الربيع العربي وتغير كثير من الأحوال فلا مناص من الجد والاجتهاد في الدعوة إلى الله تعالى، ولن يؤتي ذلك أكله إلا إذا كان في عمل منظم، تتكاتف فيه جهود المخلصين وتتطور لإنشاء عمل مؤسساتي يتجاوز العشوائية والفوضى. ويتعاون فيه الجميع على البر والتقوى.
والإسلام دين شامل ولا يقوم به إلا من أخذه من جميع أطرافه من علم ودعوة وسياسة شرعية واهتمام بأمور المسلمين ونشر للتراث وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
والأمل أن تتحد الجهود فنرى ثمار تضحياتنا في صورة جيل رباني يقتفي هدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
س: ما هو تقييمكم لأداء أسبوعية السبيل وما هي نصيحتكم لها؟
ج: أسبوعية السبيل شمعة في ظلام الليل، وهي جهد رائع من ثلة من الإخوان الذين نحسبهم على خير كثير. ونحن نرجو لهذه الشمعة أن تصبح مشعلا، بل شمسا تضيء.
ولذلك نرجو أن تصبح “السبيل” أسبوعية كما هو وصفها، وتطور منظرها، وتستكتب شخصيات متعددة. والله يوفقكم لما يحبه ويرضاه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *