يعمل بنو علمان، ومن والاهم، على حشر كل من يؤمن بالمشروع الإسلامي في الزاوية، ويعملون على تكميم أفواهمم، ومصادرة آرائهم بالزعيق والضجيج، والاستقواء بالمواثيق الدولية والحقوق الكونية.. مساندين في ذلك بالإعلام الرسمي؛ المفروض فيه مساندة كل من يدافع عن مقومات هذا الشعب، عوض الإسراع في هوى نابتة السوء، التي خلفها الاستعمار بعد خروجه الجسدي.
وإن كان من (دين) في هذا الإعلام، فهو مجرد مسكنات ليس إلا، الغرض منها امتصاص بعض الغضب، ما دام الدستور ينص على أن الدولة إسلامية، لأن المتابع يلاحظ، دون عناء، الهجمة العلمانية الشرسة التي يتبناها هذا الإعلام كما وكيفا وحيزا زمنيا.
فإلى متى سنبقى دون قنوات إسلامية، تعبر بحق عن هويتنا، ومشاغلنا الدينية؟
إن بني علمان يعملون جاهدين على أن يكون صوتهم هو الأوحد والأعلى في الباطل، مساندين من الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، ومع كل هذا الدعم اللامشروط، تراهم يشتكون ويئنون ويولولون، وكأن ما سمي (بتحرير المشهد السمعي البصري)، لم يكن في صالحهم.
هذا التحرير الذي لا يعني إلا تحريرا من كل القيود الأخلاقية، بل وحتى العقدية، ما دمنا نسمع فيه من يتبجح بالقول: إن الإنسان أسمى من النص الديني، وبعبارة أوضح، إن الإنسان أسمى من القرآن الكريم، أي أنه أسمى من كلام الله تعالى، ومادام كلام الله صفة من صفاته العلى، فيكون المقصود هو: أن الإنسان أسمى من الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. لأنه في زعمهم، عوض أن يشرع الله، فالإنسان؛ حداثيا وعلمانيا؛ هو الأحق بالتشريع، باعتبار أن الإنسان في الأرض، وليس في السماء.
ولا يغرنك، أيها القارئ الكريم الترويج المفضوح لوحدة المذهب، والخصوصية المغربية في الدين، الذي يتاجر به بنو علمان، لأن الغرض من هذا الترويج وهذا الضجيج ليس التزامهم بمضمونه، وإنما إلزام الخصوم به، كي يضربوا عصفورين بحجر واحد.
فهم من جهة يحمون أنفسهم بالعولمة والمواثيق الدولية والحقوق الكونية، التي لا تعرف لوحدة المذهب طريقا؛ ولا للخصوصية المغربية سبيلا، ومن جهة أخرى يضمنون تضييق هامش الحركة على خصومهم الذين يريدون جعلهم بين مطرقة سمو المواثيق الدولية، وسنديان دين عبادة القبور.
وفي هذا السياق، طالبت نعيمة فرح النائبة البرلمانية عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية برفع دعاوى قضائية ضد المفتين غير الرسميين، والذين لا ينتمون للمجلس العلمي.
أوردها سعد وسعد مشتمل — ما هكذا يا سعد تورد الإبل
لأنه ليس برفع الدعاوى سنقضي على الظاهرة الزمزمية مثلا، وإنما بالتصدي العلمي للعلماء لها. أما رفع الدعاوى فليس من ورائه إلا المزيد من تكميم أفواه العلماء، مقابل تَنَعُّم بني علمان في بحبوحة الاختلاف، وحرية التعبير، والحرية الفردية.
كما تحدثت رشيدة بنمسعود، عضو الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، حول خطب يتم فيها التحريض والتشهير بالناس وبأسمائهم”. في إشارة إلى الشيخ النهاري.
وأضافت “أن من بين من شهر بهم الخطيب، الشابة دنيا باطمة، والتي لها حق الاختيار الشخصي لطريق الفن، وقد شهر بوالدتها، وربما ساهم في عدم فوزها باللقب”. هذه هي الهموم التي تشغل بني علمان.
أما حرية من يسعون إلى حشرهم في الزاوية فلا اعتبار لها؛ ونذكر هنا بحملة التشهير بالدكتور المغراوي وبدور القرآن التي كان يستفيد منها آلاف المغاربة، حيث أدى تشهير الإعلام العلماني بها إلى إغلاقها، وحرمان مرتاديها من معرفة دين دولتهم والتبحر فيه.
وأضافت رشيدة بنمسعود أن فريقها لا يناصر الفساد، ويعتبر أن دور الأئمة يتمثلل في نشر القيم الأخلاقية والتسامح والاعتراف بالآخر والدعوة إلى الوسطية والاعتدال.
فهل الوسطية والاعتدال الحقين يناقضان قول إمامنا مالك في الغناء والمغنين، ونحن المالكيون!
هكذا تتم مصادرة حق الإسلاميين في التعبير والكلام، فبنو علمان عندما (يضجون) بالاختلاف، لا يعنون به إلا أنفسهم، لأنه عندما يُختلف معهم، يستعملون أسلحة من قبيل: (منظومة حقوق الإنسان لا تُجَزَّأ)، و(ينبغي للخصوصية أن تتلاقح مع منظومة حقوق الإنسان الدولية).. ليتمخض عن هذا التلاقح، مخلوقا متوحشا.. ولكي يتحرروا من كل القيود، مقابل تقييد كل من ينافح عن الإسلام، وعلى رأسهم العلماء.
وإذا اختلفت معهم فيما يخص الهوية ضجوا بأن الدستور، باعتباره القانون الأسمى للدولة، نص على سمو القوانين الدولية، وإذا عورضوا بأن نفس الدستور نص على إسلامية الدولة، يقولون إنه وثيقة غير نهائية.
ومن ضجيجهم أيضا، أنهم يتعللون لإخراج قانون يبيح الإجهاض، بالرغبة في قطع الطريق على الإجهاض السري، دون أدنى إشارة إلى الجرم الشرعي والقانوني، الذي يقع فيه الطبيب المجهِض.
وبالمقابل، ولأن مكيالهم أمريكي، فقد استغلوا قضية أمينة الفيلالي “المغتصبة”، ليتاجروا بها، فرفعوا عقيرتهم وضجيجهم في الإعلام بجميع أنواعه، للمطالبة بتعديل المادة 20 من مدونة الأسرة الذي تنص على أن: “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بقرار معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية، أو إجراء بحث اجتماعي” (المدونة الجديدة للأسرة، ص:19).
هكذا يطالبون بتعديل هذه المادة، دون النظر إلى عواقب ذلك، كلجوء الأسر إلى الزواج السري؛ فرارا من العلاقات غير الشرعية، التي يمكن أن يقع فيها أولادهم. إضافة إلى أن هذه المطالبة هي اتهام للقاضي الذي رخص لهذا الزواج، وهو اتهام لأبوي القاصر، وللخبرة الطبية، وللخبير الاجتماعي. وإذا كانوا مقتنعين بهذه الاتهامات، فعليهم نقل ضجيجهم لصالح إصلاح القضاء واستقلاليته ونزاهته.
ثم هل نتهمهم بالمسؤولية الأخلاقية، بعدما تم تسجيل ثلاث حالات اغتصاب عقب ضجيجهم حول قضية أمينة الفيلالي خلال أسبوع واحد في مدينة الدار البيضاء، كانت ضحاياها قاصرات اعتُدِيَ عليهن بطرق وحشية وشاذة، لما تم استدراجهن وخطفهن بعنف، إضافة إلى “انتحار طفلة أخرى في الشاون، تبلغ من العمر 16 سنة، بواسطة مادة سامة، بعد اغتصابها على يد رجل مقيم في إسبانيا يكبرها بعشرين عاما؟
هل نتهمهم بالمسؤولية الأخلاقية، كما فعلوا هم بعد أحداث 16 ماي، وألبوا الشعب المغربي على فئة منه، كما تم التشهير بالأبرياء، وزج ببعضهم في السجون ظلما وعدوانا!
وكم ملأوا الدنيا ضجيجا عن القصور، وعدم النضج حتى بلوغ الثامنة عشرة من العمر، عندما يتعلق الأمر بزواج الفتيات، غير أن صمت القبور أصابهم بالخرس تجاه المادة 166 من المدونة، والتي تنص على أنه: “بعد انتهاء العلاقة الزوجية، يحق للمحضون الذي أتم الخامسة عشرة سنة، أن يختار من يحضنه، من أبيه وأمه”.(ص: 48). فلربما كان رشدهم رشد صاحب غُزيَّة، الذي قال:
وما أنا إلا من غزية إن غوت —– غويت وإن ترشد غزية أرشد
ومن ضجيجهم، الكذب الصراح، والبهتان البواح، الذي تفتق عن تشهيرهم بـ”السلفيين” دون وجه حق، حيث ادعت الصباح أن سلفيين اعتدوا على فتاة ونزعوا ثيابها، ثم ثبت دجل هذا الادعاء. وبعد هذه الفضيحة المهنية التي وقعت فيها جريدة الصباح، طلعت علينا جريدة “أخبار اليوم” بخبر خرج من نفس المشكاة مفاده أن قاتل اليهودي بفاس سلفي، ثم تبين أن القاتل يعاني مرضا نفسيا وهو من زوار الأضرحة والقبور!
فهم لا يتورعون عن الكذب، وإذا ما فضح أمرهم لا يعتذرون، وهذا استخفاف بقرائهم، وضرب لأخلاقيات المهنة الصحفية في الصميم.
ولماذا لم نسمع لبني علمان ضجيجا حول مرور مائة سنة على ما يسمى بعقد الحماية الفرنسية في المغرب؟
أم أن القوم يخشون من عقوق الأم الفرنسية، لهذا سينتظرون مرور مائة سنة أخرى على ثورتها “المجيدة”، ليحتفوا بشعاراتها المكذوبة، عن الحرية والإخاء والمساواة.
ولماذا لم نسمع لهم ضجيجا عن جرائم القتل المتنوعة التي أتت مع حداثتهم، كان من منتجاتها قتل مصاب من طرف من أصابه في المستشفى بالجديدة؟ وهم يناضلون من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، عوض النضال من أجل إلغاء الظلم، واستقلال ونزاهة القضاء.. دائما منطقهم مقلوب، لأنهم يفكرون بعقول أسيادهم، هناك في الغرب.
إن القوم لا يحبون الصفاء، بل يحلو لهم، ويستمتعون بالاصطياد في الماء العكر والآسن.