هناك من زعماء الصوفية من يزعم أنه رفع عنه التكليف، فلا يؤمر بشيء من الأوامر والطاعات، بل ويفعل المحرمات والمنكرات.
والسؤال: هل هذا المزعوم الكاذب أفضل، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
من المعلوم والمسلم بلا ريب ولا شك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء، وخير الرسل على الإطلاق، وهو إمامهم، فهو صلى الله عليه وسلم سيدنا، بل سيد البشر أجمعين.
1روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
وروى الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلا 2فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلاَّ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلا فَخْرَ) .
ولا يُعرف رجل في البشرية كلها من أولهم إلى آخرهم نقلت أخباره وسيره وأيامه حدثاً حدثاً مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أنهم نقلوا الخوارق التي وقعت يوم مولده ومرضعاته وحواضنه وأول بعثته وأسمائه وهجرته وأولاده وزوجاته وأعمامه وعماته وسراريه ومواليه وخدمه وكتّابه ومؤذنيه وأمرائه وحرسه وشعرائه وحداته وكتبه التي أرسلها إلى الملوك، بل حتى من يضرب الأعناق بين يديه، وطريقة عبادته في وضوئه وصلاته وصيامه وحجه، ومعاملاته وقروضه ورهنه، وطعامه ولباسه، وشمائله، بل حتى أسماء الدواب التي ركبها، وغير ذلك كثير، وكل ذلك مكتوب في السير والشمائل والمغازي ودلائل النبوة.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية:) كان الذين رأوا محمدا صلى الله عليه وسلم ونقلوا ما عاينوه من معجزاته وأفعاله وشريعته وما سمعوه من القرآن 3وحديثه ألوف مؤلفة(.
ومع ذلك كان مكلفاً كما يكلف بقية الناس، بل كان أشد الناس تكلفاً في العبادة، يقوم أكثر الليل حتى تتفطر قدماه الشريفتان، ويصوم وصالاً، بل أمر بقيام 4الليل، وهو سنة في حق غيره، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ .
ولم تسقط عنه التكاليف الإلهية حتى وهو في مرض موته، فيقوم للصلاة ويسقط، وإليكم الدليل يا أهل الحق والبيان:
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ أَلاَ تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ بَلَى، ثَقُلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «أَصَلَّى النَّاسُ».
قُلْنَا لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ. قَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ».
قَالَتْ: فَفَعَلْنَا؛ فَاغْتَسَلَ فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِىَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم «أَصَلَّى النَّاسُ». قُلْنَا لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ».
قَالَتْ فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِىَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ». قُلْنَا لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ»، فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِىَ عَلَيْهِ.
ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ». فَقُلْنَا لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ -وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِصَلاَةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ- فَأَرْسَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى أَبِى بَكْرٍ بِأَنْ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّىَ بِالنَّاسِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -وَكَانَ رَجُلاً رَقِيقاً- يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ. فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأَيَّامَ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِأَنْ لاَ يَتَأَخَّرَ.
قَالَ: «أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ». فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِى بَكْرٍ. قَالَ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى وَهْوَ يَأْتَمُّ بِصَلاَةِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ بِصَلاَةِ أَبِى بَكْرٍ، وَالنَّبِي صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَهُ أَلاَ أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: هَاتِ. فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَدِيثَهَا، فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئاً، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ قُلْتُ لاَ.قَالَ هُوَ عَلِىٌّ” [متفق عليه].
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يؤمر بالتكاليف الشرعية، ويزعم زعماء الصوفية بأنها رفعت عنهم، فمن ذا الذي نفى عنهم التكاليف؟
وللبحث بقية..
———————–
1- ـ صحيح مسلم:2278.
2- ـ الجامع الصحيح للترمذي:3615 وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي.
3- الجواب الصحيح لابن تيمية:3/21.
4- ـ [المزمل 1-4]