كن طالبا للإستقامة لا طالبا للكرامة, فإن نفسك منجبلة على طلب الكرامة, وربك يطلب منك الإستقامة
من أصول أهل السنة الإيمان بالكرامات الرحمانية، والفرق بينها وبين الخوارق الشيطاتية سير أصحاب الأولى على وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم, حيث أن حصول ذلك لهم ناتج عن بركة اتباعهم له, ومن ثم كانت تلكم الكرامات هي في الحقيقة معجزات للرسول صلى الله عليه وسلم.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: “وكرامات أولياء الله إنما حصلت ببركة اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي في الحقيقة تدخل في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم” الفرقان 65.
وعليه يجب على المرء أن يكون همه طلب الاستقامة على الشرع والسنة لا طلب الكرامة و خرق العادة, فإن الله جل وعلا لم يأمر نبيه عليه الصلاة والسلام ولا سائر الأنام بذلك وإنما أمرهم بالاستقامة, فقال تعالى: “فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”.
ويتأكد هذا بتقرير أمور ثلاثة وهي:
أولا: ليس كل من أعطي الكرامة فهو أفضل ممن لم يعطاها
قال ابن تيمية رحمه الله: “ومما ينبغي أن يعرف أن الكرامات قد تكون بحسب حاجة الرجل فإذا احتاج إليها الضعيف الإيمان أو المحتاج أتاه منها ما يقوي إيمانه ويسد حاجته, ويكون من هو أكمل ولاية لله منه مستغنيا عن ذلك فلا يأتيه مثل ذلك لعلو درجته وغناه عنها, لا لنقص ولايته, ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة” الفرقان 69.
ثانيا: ليس من شرط الولي الحق أن يكون معصوما
يقول ابن تيمية رحمه الله: “وليس من شرط ولي الله أن يكون معصوما لا يغلط ولا يخطئ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة, ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين حتى يحسب بعض الأمور مما أمر الله به ومما نهى الله عنه، ويجوز أن يظن في بعض الخوارق أنها من كرامات أولياء الله تعالى وتكون من الشيطان لبسها عليه لنقص درجته ولا يعرف أنها من الشيطان, وإن لم يخرج بذلك عن ولاية الله تعالى” الفرقان 27.
ويتفرع على هذا الأصل أصل ثالث وهو:
ثالثا: الشيطان قد يلبس على المتدينين بما يشبه الكرامات
يقول ابن الجوزي رحمه الله: “قدمنا فيما تقدم أن إبليس إنما يتمكن من الإنسان على قدر قلة العلم فكلما قل علم الإنسان كثر تمكن إبليس منه وكلما كثر العلم قل تمكنه منه.
ومن العُبَّاد من يرى ضوء أو نورا في السماء فإن كان رمضان قال: رأيت ليلة القدر وإن كان في غيره قال: قد فتحت لي أبواب السماء.
وقد يتفق له الشيء الذي يطلبه, فيظن ذلك كرامة, وربما كان اتفاقا وربما كان اختيارا وربما كان من خدع إبليس، والعاقل لا يساكن شيئا من هذا ولو كان كرامة.
…ولما علم العقلاء شدة تلبيس إبليس حذروا من أشياء ظاهرها الكرامة وخافوا أن تكون من تلبيسه” تلبيس إبليس 517- منتقاه.
بل أكثر من ذلك فقد قرر العلماء رحمهم الله أن الكرامة قد تكون ابتلاء فيسعد بها قوم ويشقى بها آخرون، وقد يسعد بها صاحبها إن شكر وقد يهلك إن أعجب ولم يستقم.
فكن -أخي المسلم- طالبا للإستقامة لا طالبا للكرامة فإن أعظم الكرامة لزوم الإستقامة.
يقول ابن القيم رحمه الله: “سمعت شيخ الإسلام رحمه الله يقول: أعظم الكرامة لزوم الإستقامة” المدارج 2/110.
وقال أبو علي الجوزجاني رحمه الله: “كن طالبا للإستقامة لا طالبا للكرامة, فإن نفسك منجبلة على طلب الكرامة, وربك يطلب منك الإستقامة”.
وقال الشيخ السهروردي في عوارفه معلقا على كلمة أبي علي: “وهذا الذي ذكره أصل عظيم كبير في الباب, وسر غفل عن حقيقته كثير من أهل السلوك والطلاب، وذلك أن المجتهدين والمتعبدين سمعوا عن السلف الصالحين المتقدمين وما مُنِحوا به من الكرامات, وخوارق العادات فأبدا نفوسهم لا تزال تتطلع إلى شيء من ذلك, ويحبون أن يرزقوا شيئا من ذلك…
(مع أن) سبيل الصادق مطالبة النفس بالإستقامة فهي كل الكرامة ثم إذا وقع في طريقه شيء خارق كان كأن لم يقع فما يبالي, ولا ينقص بذلك, وإنما ينقص بالإخلال بواجب حق الإستقامة” انظر المعجزة وكرامات الأولياء لابن تيمية 40-41 بتصرف.
” فالمطلوب -إذن- من العبد الإستقامة, وهي السداد فإن لم يقدر عليها فالمقاربة، فإن نزل عنها: فالتفريط والإضاعة” قاله ابن القيم رحمه الله في المدارج 2/159بتصرف يسير.