التدين علاج الجريمة

قد يعتقد البعض أن العقيدة التي تقوم عليها سياسة الدولة ليس لها دور في ارتكاب الجريمة، ولكن الواقع يؤكد غير ذلك حيث تلعب العقيدة والمبادئ التي تسير عليها الدولة دورا بارزا في ارتفاع وانخفاض نسبة الجريمة فيها، ويحدث هذا نتيجة القوانين التي تسن لمكافحة الجريمة وعلاجها.
فالإسلام ينظر للوقاية والعلاج من الجريمة نظرة شمولية متكاملة، حيث حرص منذ البداية -كنوع من أنواع الوقاية- على بناء الفرد الصالح؛ وبناء المجتمع الصالح؛ كما فعل ذلك في صدر الإسلام، حيث استمر الوحي ينزل لبناء الأفراد في مكة ثلاثة عشر عاما، ثم استمر عشرة أعوام أخرى يبني المجتمع الصالح في المدينة ويضع للبشرية الأسس الصحيحة التي تكفل لمن التزم بها السعادة والسيادة في الدنيا والآخرة. (التدين علاج الجريمة؛ د.صالح الصنيع).
فترسيخ الإيمان في القلوب؛ وبناء الفرد على أسس العقيدة الصحيحة؛ وإرشاده نحو السلوك القويم؛ وسن نظام صارم وعادل للعقوبات هي أهم الركائز التي وضعتها الشريعة للحد من الجريمة.
فالجريمة لا تقوم مع قوة إيمان وصلاح الأعمال، وإنما تصاحب ضعيف الإيمان أو فاقده ولو ساعة ارتكاب المعصية، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) البخاري ومسلم.
فالذي يرتكب الجريمة لا يكون عنده إيمان يحجزه عن ارتكابها في ذلك الوقت، ومعنى هذا أنه لا يرتكبها إلا أحد شخصين: إما فاقد الإيمان وهو الكافر، أو من ذهب عنه نور الإيمان فلا يقوى إيمانه على حفظه من ارتكاب الجريمة.
ونفي الإيمان عن المؤمن المرتكب للجريمة -غير الشرك- هو نفي لكمال الإيمان ونوره وليس لأصل الإيمان. (شرح النووي على صحيح مسلم 2/41، وفتح الباري 12/60).
فارتكاب المسلم للجريمة ناتج عن ضعف إيمان مرتكبها حال وقوعه فيها، فيحدث عند المجرم نقص واختلال في إيمانه يترتب عليه معاقبة له في الآخرة إذا لم تقم عليه العقوبة الدنيوية أو لم يتب من إثم هذه الجريمة.
فالإيمان إذا عمر قلب المسلم واستقظت مشاعره خاف ربه وسمت أخلاقه فلن يتبع هواه ولن يقدم على ارتكاب الجريمة مهما كانت المغريات؛ رغبة فيما عند الله جل وعلا وخوفا من سخطه. (آثار تطبيق الشريعة الإسلامية في منع الجريمة؛ د. محمد الزاحم).
ويتضح ذلك جليا في سلوك الرجل الذي أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم أنه من السبعة الذين يضلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله).البخاري ومسلم.
فمتى ما كانت هناك إرادة صادقة للحد من الجريمة وتحقيق الأمن والاستقرار؛ فلا بد أن ننطلق من شريعتنا الغراء؛ ونبني الفرد ونؤطره وفق أحكامها؛ وبالتوازي مع الجهود الأمنية والقضائية يتعين أن نفتح المجال للعلماء والدعاة في التواصل مع عموم الناس؛ ونشجع الكتاتيب ودور القرآن الكريم؛ ونعيد لها مكانتها اللائقة بها في المجتمع؛ ونحرص ألا تخلو حي من هذه الرياض المباركة؛ التي لطالما حققت الأمن والاستقرار في العديد من الأحياء الشعبية التي كانت مشتهرة بارتفاع معدلات الجريمة؛ وحفظت أبناء الأسر المغربية من الوقوع في أتون الانحراف والضياع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *