إيران وسوريا .. تحالف عقائدي قبل أن يكون سياسيا

من أبجديات علم وعالم السياسة أنه لا يوجد فيهما ثبات في العلاقات الدولية، فيمكن أن ينقلب الحليف عدوا في أية لحظة ويمكن أن يعود حليفا صديقا مرة أخرى بمنتهى السرعة وفقا لمعادلات سياسية تحتسب على أساس واحد فقط وهو المصالح.
لكن هناك علاقات دولية لا تتغير لا بتغير الرؤساء ولا أحزابهم في الدول المتحالفة، ألا وهي العلاقات التي تقوم على اتحاد الفكرة والعقيدة الأيدلوجية التي لا تنظر إلى المصالح بقدر ما تنظر لنصرة الحليف مهما كانت العاقبة على نصرته؛ ومهما كانت أيضا القضية التي تثار؛ ولا مكان للتساؤل عن عدالة القضية أو وجه الحق فيها.
ومن تلك العلاقات القائمة على المناصرة والدعم بكل إمكانية متاحة: علاقة أمريكا بالكيان الصهيوني الذي تضمن له كل دعم عسكري واقتصادي وسياسي ودولي، وتناصره باستمرار في كل المحافل والقضايا ولا تتغير طريقة دعمه له بتغير السياسات الحزبية أو بتغير وجوه الرؤساء.
وفي عالمنا العربي والإسلامي ظهرت عدة علاقات -ظلت لفترة طويلة غير بارزة على السطح- لكنها زادت وضوحا بعد الثورة السورية التي أظهرت مدى الولاء والتعاضد بين النظاميين الشيعيين الإيراني والسوري.
فتعددت مظاهر الدعم المفتوح واللامتناهي كالمال والسلاح والجنود وكذا الدعم الإعلامي من النظام الإيراني لإنقاذ النظام السوري من الانهيار بعد ثورة شعبه عليه، وباعتراف الجميع أنه لولا ذلك الدعم الغير مسبوق ما استطاع النظام السوري من قمع شعبه بهذه الكيفية ولا استطاع سفك دماء الآلاف من السوريين، ولا استطاع البقاء لكل هذه المدة.
ومما يزيد من العجب انضمام الكيان الصهيوني للثلاثية التي ظلت لفترة طويلة تعلن عداء ظاهريا من بعضهم للبعض، فطالما ارتفعت تلك الحناجر الفارغة في طهران ودمشق منددة ومهددة لـ”إسرائيل” ملوحة باقتراب نذر الحرب المقدسة، مبتزين بها مشاعر العرب والمسلمين وخاصة بعد افتتاح فرع للحناجر الإعلامية الإيرانية في لبنان باسم حزب الله، فمن العجيب أن يكون الهدف المشترك لتلك الأطراف التي أظهرت عداء لبعضها هو بقاء نظام الأسد السوري.
وبحسب ما نقله تلفزيون برس الإيراني على لسان أعلى مستوى سياسي بها، فقد صرح محمد رضا رحيمي نائب الرئيس الإيراني أن إيران ستواصل الوقوف إلى جانب نظام الأسد إلى أبعد مدى رغم الضغوط الدولية المتزايدة على بشار الأسد كي يتنحى وأن “دعم طهران لسوريا لا يقبل التغيير”، لأن الشعب الإيراني -على حد قوله- له موقف لا يقبل التغيير إزاء السوريين وسيقف دائما إلى جوارهم.
بل يحاول الإيرانيون إرسال رسائل تطمينية للأسد ونظامه للتماسك والثبات؛ وخاصة بعد أن دب فيهم الهلع إثر العملية التي أودت بحياة كبار قادة الدولة والجيش والمخابرات والتي نقل بعدها الجيش السوري الحر عملياته إلى داخل دمشق ذاتها.
فيقول أمين سر مجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي مطمئنا بشار وواعدا لهم ببذل المزيد من الدعم المطلق لهم “إن طهران مستعدة لدعم دمشق أكثر من ذي قبل في مواجهة الضغوط الأجنبية”.
والحقيقة أنها لا تواجه ضغوطا خارجية ولكنها تواجه شعبا أعزل خرج بصدره العاري أمام دباباتهم ومدافعهم وزخات الرصاص وسعير القذائف من طائراتهم التي اشتراها النظام بأموال ودماء السوريين لكي يقتلهم بها ويوجهها إلى صدورهم.
ويأتي هذا الدعم الإيراني بعد أيام قليلة من الدعم الذي قام به حزب الله اللبناني الذي عرض على النظام السوري كل ما يملك في سبيل إنقاذه والإبقاء عليه، بل عرض على الأسد نفسه أن يلجأ إليهم إذا ما شعر بخطورة الأوضاع للحد الزائد عن القدرة على السيطرة وافتقاد الأمن.
فنقلت صحف لبنانية أن حسن نصر الله اتصل ببشار الأسد بعد الحادث الذي قتل فيه القادة العسكريون الأربعة عارضا وضع كل إمكانيات الحزب تحت تصرُّف الأسد، كما عرض عليه -بحسب صحيفة الجمهورية- استقباله في لبنان إذا تطلب الأمر ذلك.
إن هذه المواقف ليست سياسية بالدرجة الأولى، فالسياسة لا تعرف مشاعر إنقاذ الغريق أو مد يد العون له، والسياسة لا قلب لها لا تحكمها سوى المصالح، وكثيرا ما ضحت الدول الكبرى بالزعماء المشهورين والكبار من أجل وجود مصلحة لها مع أعدائه، ولهذا لا يمكن فهم تلك المواقف وفق أبجديات السياسة وحدها لأنها تنبع من مبادئ أكبر من السياسة: وهي انطلاقهم من عقيدة وأفكار واحدة تعتبر أن المسلمين السنة هم العدو الأول، ولهذا يتحالفون مع بعضهم بل ويتحالفون أيضا -إذا لزم الأمر- مع الشيطان..
ومع كل الأسف فإن بعض الساسة من بني قومي لا يزالون ينظرون إلى الأمور بنظرة سياسية فقط ويحسبونها بالمعادلات السياسية وحدها، ويتخذون من المواقف بنفس الفكرة السياسية التي لم تكن وحدها في الصراع ولن تكون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *