أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين (477-537هـ/1084-1143م)

هو أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين اللمتوني، ولد رحمه الله بسبتة سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وهو السلطان صاحب المغرب، أمير المسلمين، بويع له بعد أبيه في غرة محرم سنة خمسمائة، واضطلع بالأمور أحسن الاضطلاع وقام أحمد قيام، وكان يقصد مقصد العز في طرق المعالي، وكان حسن السيـرة، جيد الطوية.
واشتد إيثاره لأهل العلم والدين، وكان إذا ولى أحدا من قضاته، كان فيما يعهد إليه أن لا يقطع أمرا دون أن يكون بمحضر أربعة من أعيان الفقهاء، يشاورهم في ذلك الأمر؛ وإن صغر، فبلغ الفقهاء في أيامه مبلغا عظيما، وكان إذا وعظه أحدهم خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبه لها، وظهر ذلك عليه.
مكانته
قال السلاوي:” ملك من البلاد ما لم يملكه أبوه، لأن البلاد كانت ساكنة والأموال وافرة والرعايا آمنة بانقطاع الثوار واجتماع الكلمة”. وسلك طريقة أبيه في جميع أموره. وقال ابن خلكان: “كان حليما وقورا صالحا عادلا”.
كان ملكًا عظيمًا عالي الهمة رفيع القدر، فسيح المعرفة شهير الحلم، عظيم السياسة، أنفذ الحق، واستظهر بالأذكياء، ووالى الغزو، وسد الثغور، إلى أن دهمه من أمر الدولة الموحدية ما دهمه.
قال ابن عذارى: تقدم الأمير أبو الحسن لذلك فاستعان بالله واستنجده وسأله حسن الكفاية فيما قلده، فوجده ملكًا مؤسسًا، وجندًا مجندًا، وسلطانًا قاهرًا، ومالاً وافرًا، فاقتفى أثر أبيه، وسلك سبيله، في عضد الحق، وإنصاف المظلوم، وأمن الخائف، وقمع المظالم، وسد الثغور، ونكاية العدو، فلم يعدم التوفيق في أعماله، والتسديد في حسن أفعاله.
وكان حسن السيرة، جيّد الطويّة، عادلاً نزهًا، حتَّى إنَّه كان يعدُّ من الزهَّاد المتبتِّلين، وآثر أهل العلم، حتَّى إنَّه لا يقطع أمرًا إلاَّ بمشاورة العلماء.
موقفه من المبتدعة
أمر رحمه الله بإحراق كتاب كل بدعة، ولـم يقتصر على إحراق الإحياء فقط، وهذا الأمر شكره عليه الأولون والآخرون.
جاء في المعجب لعبد الواحد المراكشي: …ودان أهل ذلك الزمان بتكفير كل من ظهر منه الخوض في شيء من علوم الكلام، وقرر الفقهاء عند أمير المسلمين -أي علي بن يوسف- تقبيح علم الكلام وكراهة السلف له وهجرهم من ظهر عليه شيء منه، وأنه بدعة في الدين. وربما أدى أكثره إلى اختلال في العقائد في أشباه لهذه الأقوال، حتى استحكم في نفسه بغض علم الكلام وأهله.
– وجاء في السير: …وأهينت الفلسفة ومج الكلام ومقت، واستحكم في ذهن علي أن الكلام بدعة ما عرفه السلف، فأسرف في ذلك، وكتب يتهدد ويأمر بإحراق الكتب وكتب يأمر بإحراق تواليف الشيخ أبي حامد وتوعد بالقتل من كتمها.
ومن أعماله أنه جاز إلى الأندلس (سنة 503) مجاهدا، فعبر البحر من سبتة في جيوش تزيد على مائة ألف فارس، فانتهى إلى قرطبة، ثم فتح مدينة طلاموت ومجريط ووادي الحجارة و 27 حصنا من أعمال طليطلة، وعاد، وكانت له بعد ذلك معارك مع الفرنجة، حالفه فيها الظفر.
وفاته
في أيامه ظهر محمد بن عبد الله الملقب بالمهدي (ابن تومرت) فعجز علي عن دفع فتنته، واضطربت أموره، فمات غما في مراكش، سنة (537هـ/1143م) ولم يشهر خبر موته إلا بعد ثلاثة أشهر منه، وكانت مدة خلافته 36 سنة و 7 أشهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *