المسجد بيت الله الذي له حرمته وهو مكان عبادة وذكر وخشوع، يقول الله تعالى: “فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُو وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ” النور:36-37، الصلاة فيه مع الجماعة لها أجر عظيم عند الله عز وجل، وقد رغب الرسول صلى الله عليه وسلم فيها وبين فضلها، يقول صلى الله عليه وسلم: “صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا” مسلم 1/449.
والمسلم الذي أنعم الله عليه بأداء صلاة الجماعة في المسجد، عليه أن يكون قدوة في حسن التعامل داخله، ونموذجا يحتذى به في التزام آداب المساجد المستمدة من القرآن الكريم والهدي النبوي والأخلاق الإسلامية، فإليك أخي القارئ بعض من تلك الآداب معززة بأدلتها الشرعية من الكتاب والسنة، نسأل الله تعالى أن يعيننا على اتباعها وأن يجزينا أجر الالتزام بها.
ما يقال عند الدخول وعند الخروج
يدخل المسلم مقدما يمناه قائلا: “أعوذُ باللهِ العَظيـم وَبِوَجْهِـهِ الكَرِيـم وَسُلْطـانِه القَديـم مِنَ الشّيْـطانِ الرَّجـيم، بِسْـمِ الله، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى رَسولِ الله، اللّهُـمَّ افْتَـحْ لي أَبْوابَ رَحْمَتـِك”. ويخرج مقدما رجله اليسرى واضعا حذاءه على الأرض بهدوء قائلا: “بسمِ الله وَالصّلاةُ وَالسّلامُ عَلى رَسولِ الله، اللّهُـمَّ إِنّـي أَسْأَلُكَ مِـنْ فَضْـلِك، اللّهُـمَّ اعصِمْنـي مِنَ الشَّيْـطانِ الرَّجـيم”. رواه مسلم وابن ماجه.
ولحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلْيَقُلِ : اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ” الدعاء للطبراني، رقم:390.
تحية المسجد
ركعتا تحية المسجد سنة مؤكدة حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تظهر مكانة المسجد ووجوب حرمته، وتضفي على المؤمن مظاهر التوقير والاحترام بمجرد دخوله وقبل جلوسه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إِذَا دَخَلَ أَحَدَكُم اَلمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِس” مسلم: 1/495.
التطهر وأخذ الزينة
طهارة الثوب والبدن من الأمور الواجبة عند كل صلاة، فعلى المؤمن أن يحسن وضوءه في بيته ويستحب وضع شيء من الطيب وتصفيف شعره ولحيته قبل التوجه إلى المسجد، ولبس ثياب نظيفة لائقة ومحترمة، يقول الله عز وجل: “يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” الأنعام:31.
أما في حالة وضوئه في المسجد، فعليه أن يحرص على نظافة مكان وضوئه، والتخلص مما خلفه بصب ما يلزم من الماء وإرجاع آنية الوضوء إلى مكانها المخصص بعد الاستعمال.
ومن آداب التطهر أيضا تنظيف الفم جيدا بالسواك وغيره واجتناب تناول البصل أو الثوم قبل الذهاب إلى المسجد؛ لأن ذلك يؤذي المصلين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ، -الثُّومِ- وقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ” مسلم 1/395.
خفض الصوت بالكلام
المسجد مكان طمأنينة وهدوء وخشوع، فإن أراد المؤمن قراءة ما تيسر من القرآن أو اشتغال بالذكر، فليحرص على خفض صوته وعدم الجهر به إلى حد التشويش والإزعاج، لما في ذلك من إيذاء للمصلين وانتقاص من مهابة بيت الله، عن أبي سعيد الخدريّ قال: اعتكف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف السّتر وقال: “ألا إنّ كلّكم مناج ربّه، فلا يؤذينّ بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة” أوقال: “في الصّلاة” أبوداود: 1332.
اجتناب الخوض في أمور الدنيا
بيوت الله أماكن للعبادة والذكر والصلاة بالدرجة الأولى، أما الخوض في أمور الدنيا وشؤونها فله أماكنه وأوقاته الخاصة، والكلام في هذه الأمور يستدرج العبد إلى الجدال واللغو وهذه المسائل منهي عنها شرعا، فمن الأحوط أن يتجنب العبد الخوض في سفاسف الدنيا داخل المسجد وينشغل عوضا عن ذلك بالذكر والاستغفار وتلاوة القرآن، يقول الله عز وجل: “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْو مُعْرِضُونَ” المؤمنون: 1-3.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قد يرى المؤمن داخل المسجد بعض السلوكات المبتدعة أو بعض الأمور التي لا أساس لها من الشرع، أو بعض الأخطاء التي قد يقع فيها عدد من المصلين سواء أثناء الصلاة أو أثناء انتظارها أو بعد الفراغ منها، فمن الواجب على المؤمن أن يصحح هذه الأخطاء ويُقوِّم تلك السلوكات على ضوء الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وفق منهج اللين والحكمة في الدعوة دون تنفير أو تجريح أو إحراج، وذلك كما أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه للمسيء صلاته والحديث متفق عليه.
الحذر من الرياء
قد نجد بعض المصلين في المسجد يحرصون على إتقان الصلاة في ركوعها وسجودها ويحسنون أداء أركانها، وتتجلى عليهم مظاهر الخشوع والخضوع لله تعالى، إلا أنهم أثناء صلاتهم في بيوتهم يختفي ذلك الخشوع، وينمحي ذلك الخضوع، فتجدهم ينقرون الصلاة نقرا ولا يتمون لا ركوعها ولا سجودها، وهذا مظهر من مظاهر الرياء وإظهار التقوى المزيفة أمام الناس، وهو من الشرك الخفي.
التزام آداب الصلاة مع الجماعة
لصلاة الجماعة آداب وضوابط لابد من اتباعها، ومنها الائتمام بالإمام، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ” البخاري: 722، وإتمام الصفوف وتسويتها، وسد الفرج والمحاذاة بين المناكب.. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله” فتح الباري، ص:247.
الحرص على نظافة المسجد
الإسلام دين النظام والنظافة والمسلم يتمثل هذه المبادئ ويطبقها في حياته سواء داخل بيته أو في المسجد أو في أي مكان، فيعطي بذلك الصورة الحسنة للمسلم الحق ومن مظاهر هذه المبادئ في المسجد، وضع الأحذية أو النعال داخل أكياس خاصة، في حال توفرها في بعض المساجد، على الرفوف المخصصة لذلك، لأن مراكمتها عند مدخل المسجد يعطي صورة سيئة وانطباعا سلبيا عن أخلاق المسلمين، كما يعيق سهولة دخول الناس إلى المسجد.
إضافة إلى ذلك فنظافة المسجد وطهارته تعكس مستوى نظافة عُمّاره وحرصهم على طهارته، يقول الله تعالى: “لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ” التوبة: 108.
تجنب كل ما يلهي عن الذكر والخشوع
من ذلك تتبع أحوال المصلين وتصرفاتهم، وشرود الذهن في أمور الدنيا وتعلق القلب بما هو منتظر بعد الصلاة، وترك الهاتف النقال مشتغلا، وتشبيك الأصابع أو فرقعتها..
فعن أَبي ثُمَامَةَ الْحَنَّاط، أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَدْرَكَهُ وَهُو يُرِيدُ الْمَسْجِدَ، قَالَ :فَوَجَدَنِي وَأَنَا مُشَبِّكٌ بِيَدَيَّ فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلا يُشَبِّكَنَّ يَدَيْهِ، فَإِنَّهُ فِي صَلاةٍ” أبوداود: 562.
قال الخطابي: “تشبيك اليد هو إدخال الأصابع بعضها في بعض.. وقد يفعله بعض الناس عبثاً، وبعضهم ليفرقع أصابعه.. وربما قعد الإنسان.. واحتبى بيديه، يريد به الاستراحة، وربما استجلب به النوم، فيكون ذلك سبباً لانتقاض طهره..” معالم السنن 1/295.
اللهم اجعل قلوبنا معلقة بالصلاة وأعنا على إعمار بيوتك، واجعلنا يا رب ممن يلتزمون بآدابها قولا وعملا.
والحمد لله رب العالمين.