براءة المسلمين.. وإجرام الظالمين مصطفى محمد الحسناوي

ألقيت نظرة على بعض مقاطع فيلم “براءة المسلمين”، لأتفاجأ بهزالة وضآلة على كافة مستوياته، فمن جهة المضمون، يجد المرء نفسه أمام أحداث وقصص مختلقة تنم عن حقد وعنصرية متطرفة، يتم عرضها في قالب بهلواني مبتذل، بلغة استفزازية وهزيلة، وعبارات السب والشتم والقذف، يستحيل أن يقول الإنسان معها أن الأمر يتعلق بفيلم روائي أو فيلم لسيرة شخصية، تعرض بطريقة موضوعية، إن الأمر أقرب لمسرحية هزلية أبطالها تلاميذ مبتدئين أو أطفال شوارع.
وهذا ليس انطباعا شخصيا، بل الحقيقة أن المخرج اعتمد على حوالي 59 ممثلا هاويا، يقولون أنه تحايل عليهم ولم يذكر لهم حقيقة الأمر، وهو المخرج المجهول في الوسط الفني ولا علاقة له بالكتابة، ويشتغل في قطاع العقارات. الأمر يتعلق بسام باسيل الصهيوني الأمريكي الذي أنكر معرفته حوالي ثمانين عاملا اشتغلوا في الفيلم كعمال وممثلين.
الفيلم الهزيل مضمونا تبدو هزالته من الناحية الشكلية بجلاء لكل متتبع، فمن خلال المقاطع المعروضة يصطدم المرء بمستوى التمثيل الرديء والخدع السينمائية الشديدة البدائية، وطريقة التصوير المتواضعة جدا وأيضا الإخراج والديكور والخلفيات والمؤثرات والتقنيات المستعملة، والتي لا تليق حتى بهواة مبتدئين، وبالإضافة لكل ذلك فإن الفيلم صور داخل استوديو.
هذا العمل التافه والفاشل والضعيف والمبتذل والهزيل والرديء، والذي لا يتوفر على أدنى الشروط الفنية لدرجة لم يظهر ضمن قائمة أحد أكبر المواقع المتخصصة في تقديم معلومات متكاملة عن الأعمال السينمائية والمعروف اختصارا بـ: imdb وهو بمثابة قاعدة بيانات أو موسوعة عن آخر المنتجات والأفلام السينمائية والذي يزوره حوالي 60 مليون زائر شهريا.
قلت هذا الفيلم غير المعترف به فنيا، وجد له من الدعم المالي ما يقارب أربعة ملايير ونصف مليار سنتيم، تبرع بها حوالي 100 يهودي، رغم أن صاحبه صرح بأن الغرض من عمله التافه هذا هو الإساءة فقط، وتشويه الإسلام الذي يعتبره سرطان يمس البشرية، بغرض تحقيق مكاسب سياسية لإسرائيل وللأمة اليهودية حسب قوله، فنحن إذن لسنا أمام عمل إبداعي أو موضوعي أو نقدي، إنه عمل بقصد الإساءة، ولك أن تتخيل ما يمكن أن يفعله من تحركه الإساءة والحقد الدفين والأعمى.
الفيلم يقف وراءه بالإضافة إلى هذا المعتوه اليهودي، المتعصب النصراني الشهير حارق المصحف، القسيس الأمريكي تيري جونز، بالإضافة إلى عدد من الأقباط المصريين على رأسهم المجرم موريس صادق. بغطاء أمريكي رسمي، حيث صرحت هيلاري كلينتون بما معناه: أن أمريكا الحرة لا يمكنها أن تمنع ذلك لأنه من الحريات التي تقاتل دولتها دونها وتقدم الغالي والنفيس في سبيلها، ووفرت له الحكومة الأمريكية أقصى درجات الحماية.
نحن إذن أمام عمل تافه دون المستوى مدعوم أمريكيا، القصد منه كما أراد أصحابه الإساءة فقط، ولو بالكذب والاختلاق، ورغم ذلك يلقى دعما ماليا سخيا، مما يجعلنا نطرح بعض الأسئلة نهز بها بعض المسلمات ونخلخل بها بعض القناعات ونكشف بها بعض المغالطات التي تصور على أنها ثوابت ومبادئ، فنقول:
ماهي معايير الذوق والجمال عند هذا الغرب المتغطرس؟
ماهي معايير الصدق والمصداقية والموضوعية لديه؟
أي معنى للاحترام وأي معنى للحرية عنده؟
هل الإنسان في الغرب حر أن ينكر الهولوكوست؟
أن يصرح بمجرد فمه أو قلمه مثلا أنه من حق إيران امتلاك السلاح النووي، مجرد رأي؟
لماذا قيم الغرب ومعاييره ملتبسة مرتبكة متناقضة؟
لماذا لا يكون هذا المخرج المجرم ومن معه، موضع اتهام وازدراء وتحذير وتنفير وتشويه وتبرؤ من طرف مجتمعه وأبناء جلدته، لأنه متطرف ولا يمثلهم ويشوه تسامحهم، ويجلب لهم الخراب والعداء والدمار، كما يفعل البعض عندنا تجاه من يعادي القيم الغربية، فيرمى بالتطرف وتشن عليه كل حملات التشويه؟ بل العكس تماما هو الذي حصل، حيث دافع عنه الجميع ووفرت له حكومته حماية كاملة!
لماذا لا يتم تحميله تبعات ومسؤولية كل ما وقع من أحداث وعلى رأسها مقتل السفير الأمريكي بليبيا، وتتم محاكمته على أساس إثارة الفتنة والحقد والكراهية والتسبب في اندلاع أعمال عنف، وتشويه صورة الغرب وتصويره على أنه معاد للإسلام، والإساءة لأديان ومعتقدات الآخرين، وغيرها من التهم الأخرى؟
لماذا هذه الضجة على مقتل سفير أمريكي، والسكوت على مئات المسلمين يقتلون بدم بارد كل يوم؟
لماذا لم نسمع أو نقرأ بيانات استنكار وشجب من اليهود، أن هذا الشخص لا يمثلهم، وأنهم يتبرؤون منه؟
ألا يلاحظ هذا الغرب ومعه العلمانيون من بني جلدتنا أننا رغم هذه الاستفزازات، لا يمكن لأي مسلم مهما بلغ من درجة الغضب والاحتقان والاستفزاز، فإنه من الممكن أن يكسر ويصرخ وقد يقتل، لكنه أبدا لا يسيء للأديان الأخرى، لا يسب أنبياءها لا يدنس كتبها المقدسة، لا يرد على تلك الإساءات الحمقاء بمثلها، فأي قيم راقية عند أمتنا العظيمة، لو كان أقل منها عند هذا الغرب وأتباعه من العلمانيين لطبلوا وهللوا لها.
ختاما أين العلمانيون الذين كلما تكلمنا عن ديننا اعتبروا الأمر مزايدات مرفوضة، لأنهم مسلمون أيضا، فهل الإسلام الذي يؤمنون به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؟
هل يؤمنون فعلا أنه الرسول النبي الصادق المصدوق الذي أدى الأمانة وبلغ الرسالة وأنقذنا من الجاهلية وأخرجنا من الظلمات إلى النور، أم أنها مجرد مزايدات؟
لماذا إذن لم نر لهم غضبا على صفحات جرائدهم، وانتفاضة لقيم دينهم ومبادئه ومقدساته، واستنكارا لهذا التطرف الصهيوصليبي وعدوانه؟
أسئلة أطرحها علها تستفز من يقرؤها، وتدفعه للبحث وخلخلة كثير من قناعاته التي أصبحت طابوهات لا تمس ومسلمات لا تناقش.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *