إبداع إسلام مغربي معدل جينيا

لطالما سمعنا ولا زلنا نسمع أصواتا قادمة من واد سحيق وقعر بعيد؛ من أناس جمعهم العداء لدين الله الحق، يتحدثون عن إسلام مغربي معتدل متفتح متسامح، وآخر دخيل متشدد متنطع منغلق.
وهم بهذا الكلام يخفون رغبة جامحة في القضاء على تعاليم الإسلام ومحو آثارها من قلوب الناس وواقع حياتهم، فالخوف من الصدح بالعداء الظاهر والبوح بالمكنون من الكراهية للإسلام والملتزمين به يجعلهم يمارسون اللف والدوران والمكر والتقية والخداع، فينادون بإسلام يريدونه دينا بلا مضمون مصنوعا على أصابع اليد شبيها بصنم عمر في زمن الجاهلية، والذي كان يصنعه من الحلوى يعبده فإذا جاع أكله.
وهذه غاية القوم؛ نسج سجادة إسلام هجين حتى إذا تمكنوا قضوا على ما تبقى منه ليدخلوا الناس في العلمانية أفواجا، يمكرون لهذا الدين وأهله والله خير الماكرين.
عن قوس واحدة ومن فوهة مدفع واحد يرمون، وبصوت متناغم يتكلمون، في كل ناد ومحفل، على صفحات الجرائد وروابط المواقع وشاشات القنوات؛ يهجمون بشراسة، يحدثون ضجيجا كضجيج العربة الفارغة، يمارسون التغليط والتعمية، يتكلمون بثقة عالية في أنفسهم، يتحركون بهمة ونشاط، يتصرفون بغرور زائد واثقين في ما يملكونه من وسائل مادية ومعنوية، تتنوع أساليبهم؛ مرة بالغمز واللمز ومرة بالنقد والتبكيت، وأخرى بالوعيد والتحذير، وأحيانا يتقمصون دور النصح والإرشاد، يدسون السم في العسل بعبارات ساحرة وتعابير غامرة براقة خادعة، يتحدثون عن إسلامهم الذي ما جاء به نبي ولا نزل به وحي، إسلام مغربي له خصوصياته هكذا يقولون؛ إسلام تعاليمه سهلة ميسرة حبيبة إلى النفس؛ خفيفة على القلب تتماهى مع لذات الحياة وشهواتها، إسلام ليس فيه ثنائية الحرام والحلال بل الكل فيه حلال، وافعل ما شئت؛ من المسجد إلى الخمارة ومن الحج إلى القمارة، ومن الصيام إلى الربا، وهكذا وبدون نكير حتى يظهر في المسلم المغربي مظاهر الاعتدال والتسامح والانفتاح و…
“الإسلام المغربي”؛ هذه العبارة التي لا يفتر بنو علمان على اختلاف مشاربهم شيوعيين وليبراليين واشتراكيين ولا دينيين في ترديدها حتى تستقر في أذهان الشعب المغربي، ويتفاعل معها حتى يصبح الإسلام عنده طقوسا ومظاهر رسمية وبروتوكولية، وشعائر جوفاء لا تقدم ولا تؤخر، فيكون الإسلام المغربي الأصيل ضد الإسلام الدخيل!!! حيث لا تربطه أية علاقة بباقي أنواع الإسلام المنتشرة في العالم!!! هو كسكس يوم الجمعة، وبخور ليلة القدر، وشطح ليلة المولد، وعشاء للميت، ناهيكم عن مظاهر موغلة في الخرافة مثل بابا عيشور وشعبانة والموالد والمواسم… فيحشرون كل واردة وساقطة يلحقونها بالإسلام والإسلام منها براء، كمن يبحث عن رخص العلماء.
ومن العجيب الغريب في هذا الموضوع أنه حين تطفو على السطح بعض القضايا التي ينفخ في رمادها الإعلام المتعلمن المفسد، كمن خرج يندد بانتشار الخمور، أو شيوع الدعارة والقمار، أو من يكتب مستنكرا العري والعلاقات الغرامية، والمهرجانات المنحلة التي تهلك المال والقيم وغيرها من المخالفات الشرعية، حتى ينبري هؤلاء لانتقاد هذه الفئة من المجتمع معتبرين عملهم ومواقفهم سلوكات دخيلة تتنافى مع الإسلام المغربي المعتدل!!! والمذهب المالكي السمح!!! الذي ارتضاه المغاربة منذ أربعة عشر قرنا..
هكذا يقولون بكل وقاحة فكر وصفاقة وجه، والتاريخ شاهد صارخ بالأحداث والوقائع التي عرفها المغرب كل هذه الفترة، وهذا القرآن والسنة وموطأ الإمام مالك بين أظهرنا، فأين ومتى كانت فيها كل هذه الموبقات من خمر وزنا وقمار وربا و….حلالا؟! هل يكذبون على الأموات أم الأحياء؟ ولكنها جرأة من ليس فيه مزعة حياء.
إن حقيقة هذه الدعوة التي كثر أبواقها وتوالى دعاتها ما هي إلا جزء من مسلسل طويل لهدم الإسلام وتعاليمه، تتنافس فيه فرق الشر في ابتكار أنجع السبل وأيسر الطرق لأداء المهمة التي يتبادل أدوارها أعداء الداخل والخارج، يتحد فيها المال الخارجي والخيانة الداخلية، لذلك يحرص هؤلاء على إنتاج إسلام مليء بالطقوس البالية يسمونها إسلاما معتدلا مكتوب عليه صنع في المغرب؛ ترضاه أمريكا، وتثني عليه فرنسا، ويتفاعل معه الاتحاد الأوربي، حتى يستمر الإغداق على أذناب بني علمان، ويصبح المغرب النموذج الذي ينبغي أن تحتذي به باقي دول العالم الإسلامي.
والكل يراهن على الأجيال القادمة، لذلك هذه معركة لن تتوقف في المدى القريب أو البعيد، لكنها ستتوقف على نصر مكين لدين الإسلام الذي ارتضاه الله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وليعلم هؤلاء أن سبيلهم هذا لتخريب الإسلام بالتغليط والتزوير قد سبقهم إليه أقوام وطوائف عملوا على وضع الأحاديث ونسبتها إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليظهر الإسلام في صورة التناقض، وابتداع ضلالات قائمة على فلسفة الإغريق والرومان وخرافات الهندوسيين، وألصقوا ذلك كله بالإسلام، لكن الله الذي تولى حفظ هذا الدين قد قيظ لهؤلاء رجالا وجهابذة أمثال ابن شهاب وابن المبارك وابن جريج ومالك بن أنس والبخاري ومسلم وابن معين وأبي إسحاق الفزاري، واللائحة طويلة للأئمة غربلوا الأحاديث ومحصوا المعتقدات والأفكار، فنفوا عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
وكذلك كان الأمر حين حشر المستشرقون الشبه والأغاليط ورموا بها الإسلام، فانبرى لهم ثلة من العلماء الفضلاء فأسقطوا شبههم واحدة.. واحدة، حتى بان عوارها وظهر بطلانها.
فما أشبه اليوم بالبارحة وما على علماء الأمة المخلصين إلا أن يكونوا يقظين منتبهين، موجهين ومحذرين من كل تشويه وتعتيم يمارسه أعداء الحق المبين، أداء للأمانة وحفظا للرسالة، وعلى الرسميين منهم أن يسجلوا مواقفهم الجادة والجريئة، أو ينسحبوا بشرف لعل ذلك أن يشفع لهم عند الله عز وجل، ويخلد لهم ذكرا جميلا، وحتى لا يكونوا شركاء في هذه المؤامرة الخطيرة التي بينا معالمها ومقاصدها، وأهمها التمكين لقوى الاستكبار العالمي من دوام سيطرتها على العالم الإسلامي، واستمرار مسلسل الاستغلال، والحيلولة دون بعثة إسلامية وصحوة دينية تعيد العز الغابر والمجد التليد، وإن الله من فوقهم محيط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *