“إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة” من آثار أسماء الله تعالى العليم، عالم الغيب وعلام الغيوب الحلقة السادسة والخمسون ناصر عبد الغفور

تتمة (ما يلزم من اختصاص الله تعالى بعلم الغيب)
ج- تحريم إتيان الكهان ومدعي علم الغيب:
لما كان الكاهن ومن شابهه يدعي علم الغيب فقد حرّم الشارع الحكيم إتيانه وتصديقه وتوعد من فعل شيئا من ذلك بالوعيد الشديد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم” (السلسلة الصحية، ح رقم:3387)، وفي لفظ: “من أتى عرافا أو كاهنا..”، وفي لفظ: “من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم”، وعن معاوية بن الحكم السلمي قال: “قلت يا رسول الله أمورا كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان” فقال: “فلاتأتوا الكهان” .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل ناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: “ليس بشيء”، فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة” .
قال البغوي: “العراف الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك، وقيل: هو الكاهن، والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: الذي يخبر عما في الضمير”.
وقال أبو العباس ابن تيمية: “العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق” .
وقال الإمام القرطبي: “العراف هو الحازر والمنجم الذي يدعي علم الغيب وهي من العرافة، وصاحبها عراف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها، والكهانة ادعاء علم الغيب” .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: “قوله: “كفر بما أنزل على محمد”، وجه ذلك أن ما أنزل على محمد قول الله تعالى: “قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ”، وهذا من أقوى طرق الحصر لأن فيه النفي والإثبات، فالذي يصدق الكاهن في علم الغيب وهو يعلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله، فهو كافر كفرا أكبر مخرجا من الملة، وإن كان جاهلا ولا يعتقد أن القرآن فيه كذب فكفره دون كفر” .
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى: “لما جاء القرآن العظيم بأن الغيب لا يعلمه إلا الله كان جميع الطرق التي يراد بها التوصل إلى شيء من علم الغيب غير الوحي من الضلال المبين، وبعض منها يكون كفرا، ولذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما” (مسلم ح:125)، ولا خلاف بين العلماء في منع العيافة والكهانة والعرافة والطرق والزجر والنجوم وكل ذلك يدخل في الكهانة لأنها تشمل جميع أنواع ادعاء الاطلاع على علم الغيب” .
فليتق الله أقوام وما أكثرهم ممن يترددون على أماكن الكهان ويقدمون العطايا والهدايا رغبة في إخبارهم بالمستور والذي لا يعلمه إلا العليم الغفور، فهذه تسأل عن حالها وهل ستجد زوجا ولو بعد حين، وهذا شاب طالت بطالته يسأل عن المستقبل هل سيجد الوظيفة المناسبة أم يفقد الأمل، وهذه امرأة أعيتها الفحوصات دلتها إحدى الجارات على دكان إحدى العرافات لتخبرها هل ستلد أم ستظل في سلك العاقرات.. فليتق الله كل هؤلاء وأولائك وليعلموا أنهم بفعلهم هذا معرضون للوعيد الشديد الذي أخبر به النبي المبعوث رحمة للعبيد، وليعلموا أن هؤلاء الكهان ليسوا إلا مشعوذة ودجالون يأكلون أموالهم بالباطل.. كما أن على المسؤولين مهمة حماية عقائد الناس وزجر كل كاهن وعراف ومنعهم من العتو في الأرض بالفساد.
والأمر لم يعد مقتصرا على النظر في اليد أو الورق أو الفنجان من طرف هؤلاء الكهان، بل ظهرت وسائل أخرى تندرج في التكهن وإن اختلفت الصور، كما يقول العلامة الألباني رحمه الله تعالى: “فلا يفوتنا أن نذكر أن الكهانة والعرافة والتنجيم ما يزال لها تأثير كبير عند كثير من الناس حتى عصرنا هذا الذي يدعي أهله أنه عصر العلم والتفكير والتمدن والثقافة، ويظنون أن الكهانة والشعوذة والسحر ولت أيامها وانقضى سلطانها ولكن الذي يمعن النظر ويطلع على خفايا ما يحدث هنا وهناك يعلم علم اليقين أنها ما تزال تسيطر على كثيرين ولكنها لبست لبوسا جديدا وتبدت بأشكال عصرية لا يفطن إلى حقيقتها إلا القليل، وما استحضار الأرواح ومخاطبتها والاتصال بأنواعه المختلفة إلا شكلا من أشكال الكهانة الحديثة التي تضلل الناس وتفتنهم عن دينهم وتربطهم بالأوهام والأباطيل ويظنونه حقيقة وعلما ودينا والحقيقة والعلم والدين منها براء” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *